فيما كان وما سيكون

الأحد، سبتمبر 20، 2009

في التعليم العالـــي


كتب الدكتورعبدالله الحراصي مقالاً منذ أيام ينادي فيه بــ"ضرورة تحرك الدولة العمانية نحو فتح جامعات حكومية جديدة،...". (http://harrasi.blogspot.com/2009/09/blog-post_06.html)
كما استرسل قبله وبعده العديد من المنادين للدولة واللائميها على سكوتها وتراخيها، وحذروا من خطورة الاتكاء كلياً على القطاع الخاص في هذا الشأن في هذه المرحلة.
 الدكتور عبدالله (أو الدختور) حسبما يحب المهذون الأكبر معاوية أن يسميه، يقول بكل بساطة "أن التعليم العالي في سلطنة عمان ... قضية تقع في قلب مفهوم الأمن الوطني الشاملة".
نعم، أتفق معه في الغايات ولكنني أختلف معه كلياً في الوسائل: وأنادي بضرورة تحرك الدولة العمانية نحو ما يلي:
أولا:إغلاق الكثير، إذا لم يكن جميع الجامعات والكليات الخاصة في عمان.
ثانياً: ضخ ما يمكن ضخه من موارد مالية وبشرية وسحرية في جامعة السلطان قابوس بأسرع ما يمكن، ووضعها تحت العناية المركزة ومدها بالهواء والغذاء والمنشطات قبل فوات الأوان، عسى أن تعود كما أراد لها بانيها أن تكون.
ثالثاً: البدء فوراً في إعداد خطة وطنية متكاملة لإرسال أكبر عدد ممكن من العمانيين والعمانيات للدراسة في الخارج، وفق خطة العمل أو الـ Action plan التالية:
1.     الاستعانة بمتخصصين وبيوت خبرة "حقيقية" في سبيل جرد وتبويب أعرق الجامعات في العالم: على أن تترك جانباً تلك الدول التي تشبه هي وجامعاتها محلات "كل شيء بريال"، وتترك وزارة التعليم العالي للتنفيذ لا للتخطيط.
2.     تصنيف حاجات التعليم العالي في عمان: ليس وفق حاجات "سوق العمل" كما يحلو للسماسرة وتجار البشر والعلم قصيري النظر المستنفعين بالبلاد والعباد أن يفكروا. ولكن وفق الحاجة المعرفية العليا أولاً، يليها الحاجات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية.
3.     توزيع الحاجات في "2" أعلاه على الجامعات في "1" مع مراعاة الحيادية والموضوعية من جهة ومتطلبات جميع المراحل القادمة من جهة أخرى. 
4.     رصد الموازنة وبقية الموارد اللازمة والبدء فوراً في التنفيذ، حبذا منذ الأمس، والكف عن الفلسفات الناعسة التي لم يعد الدهر بقادر على أن يأكل عليها أو أن يشرب.
5.     وضع خطة مشابه في النوع وموازية في الزمن لشهادات الماجستير والدكتوراة.
خطة أقرب ما تكون إلى الحلم لن يتاح تنفيذها ما لم نستيقظ على الواقع المحيط بنا والمستقبل الذي ينتظر على الأبواب.
التعليم العالي ليس مباني وهيئة تدريس وارتباط أكاديمي. التعليم العالي ثقافة ونمط حياة. ومؤسسات التعليم العالي في عمان لم تعد قادرة على خلق هذه الثقافة وهذا النمط. هو وسيلة وغاية في آن واحد ومؤسسات التعليم العالي في عمان لم تعد تملك الوسيلة ولا ترى الغاية. والمزيد من الانغلاق بإنشاء جامعات في عمان لن يجدي إلا في تكريس ثقافة الانغلاق وغياب الرؤية وشح الوسائل... وتكريس ثقافة المارثون والتزاحم على مقاعد الدراسة والشعبطة في وسائل النقل والتشرد في الشوارع والتكدُس في المساكن ليلاً وعلى المقاهي نهاراً، واستجداء المعونات الشهرية.
·        أين ذهب أولئك العمالقة من جامعة السلطان قابوس، ومن حل محلهم، وكم وفّرنا من رواتبهم؟
·        كم سعر بحث البكالوريوس أو الماجستير في الجامعات والكليات العمانية في سوق العمالة الأكاديمية الرخيصة القادمة من دول الفقر والزحام والخيانات والأحزمة الناسفة والتناحر الطائفي.
·        قارن بين المباني التي قامت مع الجامعة والمباني التي جاءت لاحقاً، وستعرف ما جنته ثقافة الرخص والتوفير والاستعجال والتخطيط الارتجالي والمشية العرجاء والنظرة الحولاء قصيرة المدى.
·        كم عدد البحوث والدراسات المحكمة التي نشرتها جامعة السلطان قابوس في المؤتمرات والمجلات المحكمة.
حتى التسميات، في ثقافة الانغلاق هذه، ينبغي التفكير فيها: فالتسميات المناطقية والجهوية (نزوى، صور البريمي، ظفار، صحار) خطيرة في ثقافة لم تتخلص بعد من المناطقية والجهوية.
باختصار، عمان عموماً، والتعليم العالي خصوصاً، لا تحتاج إلى المزيد من الانغلاق، تحتاج إلى المزيد من الأبواب والنوافذ: نحو الشمس والهواء النقي والدماء الجديدة، المزيد من الآفاق والسموات المفتوحة على الحرية والفكر، دون ذلك فإن ما بُني في عام سيُهدم في لحظة غفلة وحينها لن ينفع الندم.

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
محمد سعيد يقول...

جميل جداً ونتمنى أن نراء جامعة حكومية جديدة...