التـــاريــخ

فيما كان وما سيكون

السبت، أكتوبر 22، 2011

مجلـــــس الشيـــوخ

حوالي 37 في المائة بلغت نسبة الشيوخ (والشيخات) الذين تم تعيينهم في مجلس الدولة بتاريخ 15 من أكتوبر 2011.

أشرت في مدونة سابقة http://atareekh.blogspot.com/2009/12/blog-post_23.html إلى التوتر الناشئ من إسقاط دولة القبيلة على دولة المؤسسات، وإلى التأثيرات السلبية لهذا التوتر على المؤسسة وعلى القبيلة معا، وإلى مدى الارتباك الذي يطال مفاهيم كثيرة جراء هذا الإسقاط كمفهوم العدالة الاجتماعية وسيادة القانون والحرية الفردية وتساوي الفرص، وحذرتُ من خطورة هجمة القبيلة بقضها وقضيضها على المؤسسة وفرض طرقها ومناهجها في إدارة الموارد والمقدرات.

السؤال هنا: لماذا كل هؤلاء الشيوخ في مجلس الدولة في العام 2011؟ لماذا الاحتفاظ بالألقاب الاجتماعية أصلًا كالسيد والشيخ والرشيد والخادم والبيسر جنبًا إلى جنب مع الألقاب المؤسساتية كمعالي وسعادة والألقاب العلمية كالدكتور والمهندس والأستاذ بالرغم من الفوارق الجوهرية بينها؟ فالألقاب المؤسساتية والعلمية تُكتسب، عادةً، بالجهد والمثابرة والترقي، في حين تُكتسب الألقاب الاجتماعية ، بالقدرية والوراثة الحتمية. كما أن الألقاب المؤسساتية عادة ما تكون ديناميكية متغيرة وزائلة بينا تكون الألقاب الاجتماعية جامدة لا تتغير عبر الأزمنة.

أولويات الهرم الاجتماعي ومناهجه تختلف كل الاختلاف عن أولويات الهرم المؤسساتي ومناهجه، وبالتالي فإن الجمع بينها تحت سقف الدولة يربك البنيتين ويخلخل مفهوم المؤسسة ويجرده من معناه ويحد من قدراته.

مع هذا الحضور الطاغي للبنية الاجتماعية التقليدية سيبدأ العقل المؤسساتي يفكر بالعقل الجمعي ويصبح خاضعًا للهرم الاجتماعي منقادًا خلفه مأخوذًا بحساباته التقليدية في ممارساته الوظيفية وصلاحياته وقراراته ورؤيته، خصوصًا وأنه يدرك بأن اللقب الاجتماعي أشد وأبقى، وبأن المنزلة الاجتماعية الجامدة تستطيع أن تزلزل المنزلة المؤسساتية وتقلبها رأسًا على عقب.

هذه الردة إلى القبيلة والمشيخة وهذا الارتداد على الأعقاب يشيان بأن الدولة لم تنجح بعد في الوصول إلى مقاربة ثابتة ومنهج واضح لمفهومها وكينونتها ودلالاتها. لم تنجح في الانتقال من كونها مجرد حالة نفسية واجتماعية مغلقة ومنعزلة عن العالم يحكمها الموروث الجامد والرؤية الأحادية الماضوية إلى حالة تقدمية مؤسساتية منفتحة على كل الاحتمالات يحكمها الوارث المتحرك والرؤية المستقبلية التعددية.

لماذا هذه الردة؟

هل أدركت الدولة هشاشة بنيتها المؤسساتية وخطورة التجاوزات التي حدثت باسم المؤسسات التي أنشأتها في السنوات الماضية؟ هل استيقظت الدولة على ما نهشته هذه المؤسسات من لحمها، واستفاق أبنائها على الفتات؟ فتات البنية التحتية وهشاشة الأنظمة والبرامج والمشاريع التي خُطط لها أن تكون تقدمية؟ هل انعدمت الرؤية وانكسرت البوصلة؟

سواء تحدثنا عن أفراد أو عن جماعات، ففي مثل المواقف تشتعل النوستالجيا، وتتحرك غريزة البقاء ويصبح الارتماء بين أحضان الأمس وإلى المهد الأول نتيجة حتمية. فهل ارتمت الدولة، كما بدأت أو مرة، إلى مهدها الأول وهو القبيلة تستجدي منه البقاء والاستمرار؟

أم تُراها أدركت بأنها تجاوزت المجتمع برؤيتها ومشاريعها التقدمية، ولكنها استفاقت على مجتمع يراوح مكانه ولا يريد إلا أن يعيش على ماضوية غابرة يحكمها المذهب والقبيلة والأعراف والتقاليد البالية؟

أليس في هذين التفسيرين فصلٌ فجٌ بين المجتمع والدولة؟ من وراء هذا الفصل؟

مهما يكن تفسير هذا الارتداد، فإنه له ما بعده، خصوصًا وأن المرحلة القادمة حبلى بالكثير. فهل نستطيع أن نأتمن القبيلة والمذهب والأيدلوجيا والجهوية على ما هو قادم؟

أيتها النوافذ
قليلًا من هواء الغابات
إنني أختنق
ورئتاي جاحظتان خارج صدري
كعيني اليتيم
وصوتي ضال كالرعد
لا يعرف أجيالًا مقبلةً ينشدها
ولا فمًا قديمًا يعود إليه
أيها البناءون
ادعموني بحجر
إنني أتصدع
كالجدران التي خالطها الغش...


الأربعاء، سبتمبر 28، 2011

استعارة المصير..مصير الاستعارة


في الرابع والعشرين من يونيو 2002 خرج جورج بوش على العالم باستعارة "خارطة الطريق" "Roadmap" التي أعدتها اللجنة الرباعية استنادًا إلى رؤيته هو، حلًا لما يُعرف بالصراع العربي الإسرائيلي الذي كان موعده العام 2005 حسب الخارطة...
من يومها انتشرت استعارة الخارطة في الإعلام العالمي وفي أروقة الأمم المتحدة وعلى طاولات المفاوضات انتشار النار في الهشيم، وكبرت واستعظمت. ولكن، بعد سنوات عجافٍ خبت واندحرت ولم يبق إلا رمادها الذي بعثرته المستوطنات ودبابات الغزاة والصراع الفلسطيني الفلسطيني والانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل والغيبوبة العربية و"عدم الانحياز" العربي في أزمنة الانحياز.
لماذا فشلت "استعارة" خارطة الطريق ولماذا فشلت "خارطة الطريق"؟
الأولى فشلت لأنها مجرد استعارة منزوعة من سياقها والثانية فشلت لأنه لا طريق ولا خارطة ولا أرض تٌبنى عليها طريق كي تكون لها خارطة.
كيف يسمونه "صراعًا" ثم يضعون له خارطة طريق؟ من سمع بخارطة طريق تُوضع لمتصارعيْن أو متحاربين؟ في الأصل: إذا كانا يستطيعان السير وفق خارطة طريق محددة سلفًا، فلن يكون هناك صراع.
من عاش يومًا في مدينة يدرك بأن خارطة الطريق ليست هي المدينة وليست المسافات وليست الاتجاهات وليست الوجهات أو الأماكن. الخارطة لا تخلق الأماكن والأبعاد من عدم كما حاولت خارطة الطريق الأمريكية: هي إسقاط لأبعاد وأماكن موجودة سلفًا. وحين لا تكون لك وجهة محددة فلن تنفعك أية خارطة في العالم.
ومن عاش يومًا في صحراء يدرك بأن ما كل يحتاجه للخروج منها هو بوصلة تحدد الاتجاهات، إذ لا خرائط طرق على رمال متحركة.
ما هي الاستعارة البديلة؟
لماذا لا نجرب استعارة الحبس أو السجن؟
عدوان لدودان وجدا نفسيهما سجينين في زنزانة واحدة. كلاهما يفكر بالانعتاق أو البحث عن وسائل للتعايش السلمي.
أرى استعارة الحبس من أقرب الاستعارات لتوصيف الوضع، لكنها من أصعبها في ظل غياب توازن القوى بين الطرفين وانحياز أطراف خارجية لأحدهما على حساب الآخر.

أهمية الاستعارة أنها تعمل على مستويين: الذهن واللغة. وتكمن مشكلتنا معها في عدم القدرة على استقراء الإسقاط الذي تحدثه حينما تنقل أشياء من المجال المصدر غلى المجال الهدف وتترك أشياء أخرى ورائها.
الاستعارة بطبيعتها مُضللّة ومبتورة ولا يستقيم استقرائها إلا بالولوج إلى عقلية قائلها ونفسيته واستحضار سياقها لفظًا ومعنىً. فلو قال لك قائل: "فلان ساعة رولكس"، فإنك سوف تستحضر معاني كثيرة منها الدقة والفخامة والانضباط والرقي وغيرها... ولكن ماذا لو أضاف القائل بعدها: "لا يُقدم ولا يؤخر"؟

السبت، مارس 12، 2011

الإسلام هو الحل



نعم. بهذه المقولة البديهية للبعض والمستحيلة للبعض الآخر أبدأ..

الإسلام، بخلاف الديانات الأخرى، من أكثر الأبعاد الثقافية حضورًا في المجتمع العماني، بل يمكن القول بأن الإسلام هو الأساس وهو الباني ومادة البناء الأهم إن لم يكن الأوحد لبقية الأبعاد الثقافية المادية وغير المادية. حول الإسلام تتمحور الهوية العمانية، والقيم والأخلاق والعادات والتقاليد. والإسلام ينسج اللغة ويعيد بناء قواعدها ودلالات ألفاظها، ويضع الموازين والمقاييس في قضاياها الشعرية والنثرية. وحول الإسلام يتشكل المعمار وتُخطط المدن. والإسلام ينسج أزياء الإنسان العماني ويلونها: ماذا يلبس وكيف يلبس ومتى يلبس. والإسلام يُعد مطاعم المسلمين ومشاربهم:  ماذا ومتى وكيف وكم نأكل ونشرب. والإسلام هو الضابط الأمهر لساعة المسلم البيولوجية: فهو يحدد متى ينام المسلم وكيف وأين وكم ينام. والإسلام يضع المحددات الأخلاقية والزمانية والمكانية للأحوال المدنية وهو يحدد الكيف والكم في كافة العلاقات البشرية الأخرى. الإسلام، بخلاف الديانات الأخرى، يحدد كيف يمشى الإنسان وكيف يجلس وكيف يضاجع زوجه وكيف يدخل الخلاء ويخرج منه. باختصار: الإسلام يقرر كيف يولد الإنسان وكيف يعيش وكيف يموت وكيف يبعث حيا.
من هذا المنطلق وبهذا الاستعراض الموجز لتغلغل الإسلام في نسيج المجتمعات الإسلامية عمومًا، يمكن القول بأن الإسلام هو الحل، وإن إن ليمكن كذلك فإنه سيصبح هو المشكلة. لا مفر من الأمر، فالإسلام لا يمكن تجاهله كما لا يمكن كذلك تأبطه جزافًا ليستخدمه المرء متى وكيف شاء.
السؤال المهم هنا هو: عن أي إسلام نتحدث؟ هل عن إسلام القرون الأولى أم إسلام اليوم؟ هل عن النسخة الإباضية أم السنية أم الشيعية؟ وعن أي حلول نبحث؟ هل عن الحلول الطالبانية أو العراقية أو اللبنانية أو الماليزية مثلًا؟ نحن في أمس الحاجة في عمان للسؤال عن هذا الإسلام المتناثر بين الأمس واليوم وعن دمه المتفرق بين الطوائف والملل. ونحن في أمس الحاجة لهذه الأسئلة في هذه المرحلة العمانية الحرجة سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.
لقد ساهمت القراءات المتعددة للإسلام والتباينات المذهبية في صنع سياسة عمان واقتصادها واجتماعها في الأربعين سنة المنصرمة. ومن أبز الأمثلة على ذلك أحداث 1994 وأحداث 2005 التي كانت تحت تأثير قراءات مغايرة للإسلام ونسخ متعددة له. ومن الأمثلة الاقتصادية والاجتماعية غير المباشرة، والأكثر خطورة ربما، تحريم بعض علماء المذهب الإباضي وعلى رأسهم المفتي العام لبعض التعاملات الاقتصادية. فعلى إثر فتوى كهذه عزف الكثير من العمانيين الإباضية عن الكثير من المعاملات الاقتصادية، وكانت المحصلة أن ثروة العديد من القطاعات تكدست في حسابات فئة من العمانيين من أهل المذاهب الأخرى التي لا تحرّم هذه التعاملات. من تلك القطاعات، مثلًا، قطاع البنوك والـتأمين والسياحة والاتصالات. هكذا وفي لحظة غفلة انقسمت عمان سياسيًا واقتصاديًا إلى قسمين: قسمُ يتولى المناصب التي تسمى تجاوزًا سياسية وأمنية، وقسم يتولى المناصب الاقتصادية والمالية، وانسحب ذلك الانقسام العبثي على كل القطاعات وحتى داخل المؤسسة الواحدة: لتجد بأن من يتولى المناصب الاقتصادية والمالية داخل معظم المؤسسات هم من أتباع مذهب دون آخر. ذلك بدوره فتح قنوات سرية تحت غفلة الرقابة المذهبية والسياسية بين الفئتين لتستنفع كل فئة من أختها، وخلخل البنية الاجتماعية والاقتصادية العمانية، واستشرى الفساد والحقد والغل بين الطوائف وقاد بدوره إلى ثورة الذين ثاروا على الجهازين في البلاد.
من منطلق "الإسلام هو الحل" شاء من شاء وأبى من أبى، أرى بأن الإصلاحات السياسية والاقتصادية الأخير لا تكفي، وبأنه قد آن الأوان لإعادة بناء المنظومة الدينية والاجتماعية في البلاد بناءً مغايرًا عما كانت عليه، فالبناء القديم ساهم مساهمة خفيّة ولكن فاعلة فيما آلت إليه الأوضاع في المرحلة المنصرمة، وسيبقى مساهمًا وفاعلًا في المراحل القادمة بخيرها وشرها. الغاية الرئيسة من البناء المقترح هي توحيد النسيج الاجتماعي والثقافي الذي ترتكز عليه البلاد، والأهم من ذلك استبدال دين مُسيّس علنًا بدين مسيس سرًا (علمًا بأن الباء تدخل على المتروك). وبالرغم من أن المقام لا يتسع هنا لطرح مشروع تغييري متكامل، أرى بأن تكون الخطوة الأولى لمشروع كهذا هي إعادة بناء منظومة الإفتاء في البلاد.
أرى أن تتشكل هيئة وطنية للإفتاء تضم نخبة منتقاة بعناية تمثل كل المذاهب الإسلامية في عمان بالإضافة، وهذا هو الأهم، إلى نخبة من العلماء المتخصصين في السياسة والاقتصاد والاجتماع والفلسفة وعلم النفس والعلوم الطبيعية كالطب والفيزياء والفلك، على أن تُبنى هذه الهيئة في إطار يمكنها من تحقيق حزمة من الاستراتيجيات على رأسها:
1.    إيجاد صياغة دينية مشتركة للحراك الثقافي والسياسي والاقتصادي في عمان، والكف عن الحلول الرومانسية الحالمة المطروحة حاليًا في السياسة والاقتصاد من فئة كانت أول من استنفع واستقوى من الوضع السياسي والاجتماعي السابق، ليتركوا أتباعهم يحيون حياة الكبت والكفاف.
2.    تعزيز دور القانون واحترام البنود والمواثيق والكف عن ممارسة دور الوصاية الأبوية تحت اسم الإسلام والحلال والحرام، والكف عن استخدام مقدرات الدولة المالية كالإعلام في تمرير أجندات مذهبية أيديولوجية غابرة.  
3.    إرجاع الدين من غيبته وغيبوبته إلى الواقع اليومي والمعاش الذي يمس الإنسان بشكل مباشر؛ على أعضاء هذه الهيئة الخروج بناء من سقيفة بني ساعدة وموقعة الجمل والنهروان، وعليهم الكف عن محاسبة الناس على ما فعله علي ومعاوية وفاطمة وعائشة، كما عليهم الكف عن القفز بنا فوق الآن وهنا إلى عذاب القبر وأهوال يوم القيامة.
4.    إيجاد صياغة توافقية مع معطيات التقدم العلمي والتكنولوجي والتوقف عن الحلول المعلبة والأطروحات البايتة فيما يُسمى بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة، واحترام العلم الحديث وتثمين منجزاته والاستفادة منها وفق إطار تربوي أخلاقي متفق عليه. فمثلًا عليهم محاربة الخرافات والبدع التي تحدث تحت مسميات دينية كالطب النبوي والعلاج وبالقرآن.
5.    إيجاد صياغات توافقية تعاونية مع معطيات الحضارة العالمية وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذلك مع معطيات الثقافات والأديان الأخرى، ونبذ العنصرية والجهوية والفئوية والتمييز ضد المرأة تحت شعارات الدين.
6.    إعادة صياغة المواطن ومفهوم المواطَنة ولغة الوطن بعيدًا عن مظلة المذهب أو القبيلة، وتعزيز الفردانية والحرية الشخصية في المأكل والمشرب والملبس والعلاقات الاجتماعية.
7.    تكريس حب العمل واحترامه والإعلاء من شأنه بعيدًا عن اللحية و الدشداشة والعمامة، وجعل الإنتاج بكمه ونوعه هو المقياس الأول لكفاءة الفرد ولما يستحقه من مكانة اقتصادية ومؤسساتية.
8.    التوقف عن عزل الدين عن الدنيا بالدعوة إلى إعلام خاص بفئات دينية بعينها وأزياء وفنادق وبنوك وشركات تأمين ومنتجعات سياحية.
على الدولة أن تضع مثل هذه الاستراتيجيات بآجال متفق عليها وأن تتابع تطبيقها على أرض الواقع كما تتابع برامج وخطط أي مؤسسة حكومية أخرى مصروف عليها من موازنة الدولة.
على هذه الدولة أن تدرك بأن الإسلام إما أن يكون جزءًا من الحل أو جزءًا من المشكلة. وعليها أن تدرك بأن تغيير القوى الاقتصادية والأمنية والسياسية وحده لا يكفي. هناك قوى دينية ثقافية تعمل في الخفاء وفق أجندات خاصة ونوايا خاصة حتى لو لم نتفق على سوؤها فسنتفق على أنها لا تتوافق مع معطيات المرحلة. كما أن عليها أن تدرك بأن هناك طاقات دينية وثقافية قادرة على تنفيذ الاستراتيجيات أعلاه ولكنها معطلة ومهيمن عليها..

زمنُ الموتِ لا ينتهي يا ابنتي الثاكلةْ
وأنا لستُ أوَّلَ من نبَّأ الناسَ عن زمنِ الزلزلةْ
وأنا لستُ أوَّلَ من قال..
إن الحمامةَ - في العُشِّ - تحتضنُ القنبلةْ!.


  

الأربعاء، مارس 09، 2011

الطالبانيون العمانيون

ثورة الإصلاح الأخيرة التي أشعلها الشارع وتوّجها السلطان قابوس بحكمة لا تُضاهى طالت بعدين مهمين جدًا من أبعاد عمان: الاقتصاد والسياسة. بقي بعدٌ ثالث لا يقل عنهما أهمية ألا وهو البعد الثقافي: اللغة والدين والعادات والتقاليد والقيم وغيرها من النواحي الثقافية المادية وغير المادية. هذا مشروع إصلاحي أشد ولكن أبقى، وسأركز هنا على المنظومة الدينية عمومًا والمنظومة الرسمية خصوصًا.

هذه المنظومة لا تحاول فقط أن تقصي الديانات والمعتقدات الأخرى، ولا تحاول فقط أن تقصي المذاهب الإسلامية الأخرى، بل حاولت ونجحت إلى حدٍ كبير في إقصاء العقول المفكرة الحرة من أبناء  جلدتها وأتباع مذهبها، لقد أقصتهم عن دوائر اتخاذ القرار وعن مراكز الوعظ والإرشاد وحجبت كتاباتهم وحاربت أفكارهم واتهمتهم بتهم خطيرة كالإلحاد وتعطيل السنة والأمركة والعمالة الصهيونية وغيرها من التهم الخطيرة التي كادت أن تؤدي إلى مقتلهم غيلة على أيدي متعصبين من أتباع المنظومة المهيمنة.

هذه المنظومة صادرت المذهب الإباضي بتاريخه التسامحي وتعدداته الفكرية، لتختصره في شكليات عقيمة كاللحية والإسبال والخمار ومصافحة المرأة وتحريم الموسيقى والنخامة وحلق العانة. هذه المنظومة "وهبنت"، إذا صح التعبير، المذهب الإباضي وجعلته تابعًا يمشي مغمض العينين إلى بؤر التخلف والقمع والكبت والرجعية.

هذه المنظومة، لو قُدر لها، ستحوّل عمان إلى طالبان أخرى: ستغلق البنوك والفنادق والمنتجعات السياحية وشركات التأمين والأسواق المالية والقنوات الفضائية، وستنادي بـ "محرم" مع كل ممرضة ومع كل طالبة ومعلمة وستحوّل النساء إلى أكياس قمامة متحركة لا تعرف قبلها من دبرها وستحول الرجال إلى لحي متهدلة وعقول منكفئة يأكلها الشك في كل شيء.

هذه المنظومة تريدها علمانية من حيث لا تدري ولكن بطريقتها هي: تريد أن تفصل الدين عن الدنيا؛ تريد أن تكون لها بنوكها الخاصة ومحطاتها الإعلامية الخاصة، وتريد أزياء مخصصة لها وحدها، وجامعات وأسواق وحتى مساجد لها بعيدًا عن مساجد "الضرار" التي تبنيها الدولة. وتريد أن تخرج "الكفار" والملحدين والمجوس والبوذيين من عمان ومن جزيرة العرب، وستُقصي، لو استطاعت، كل من يفكر في خلاف ما تفكر هي فيه.  
من المؤسف أن هذه الفئات استقوت أكثر بعد أن ركبت موجة الإصلاح الأخيرة، فأصبح لها إصلاحها الذي لا يتجاوز ما ذكرته أعلاه، وأصبح لها دستورها وقياداتها التنظيمية. ومن أراد أن يشاهد تطاولهم فليذهب إلى ميدان الاعتصام أمام "الشورى" ويسمع خطبهم العصماء.

إذا كانت هذه الفئة مخلصة لوطنها محبة لسلطانها فعلى قياداتها العليا أن تخرج اليوم، وليس غدا، إلى وسائل الإعلام لا لتبث أجنداتها الإصلاحية الواهمة والأحادية التوّجه، ولكن لتقدم الشكر والولاء للسلطان على ما أنجز أولًا، ولتأمر المتحدثين باسمها والراكبين على موجاتها بالرجوع إلى بيوتهم وأعمالهم قبل أن تدخل البلاد في سلسلة صراعات لن تخرج منها قبل أجيال: صراعات مذهبية ومناطقية وقبلية ودينية-إلحادية.

أنا أشك بأنها ستخرج، فإذا كان ما نسمعه هو ما يقولونه في العلن، فالله وحده يعلم ما يقولون ويفعلون في السر.

السبت، مارس 05، 2011

دعوة بعض الوزراء للرحيل

لنقل بأنه من الصعب سياسيًا التنازل عن بعض الوزراء المخضرمين خصوصًا في هذه المرحلة الحرجة من التاريخ العماني؛ لقد خدموا الدولة طويلًا، وعلى أكتافهم قامت مؤسسات عديدة، رحلوا عنها إلى غيرها وبقيت فيها آثارهم وفلسفاتهم وحتى أنماط إدارتهم...
لقد خدموا حتى أصبح الوضع الاقتصادي لعمان امتدادًا لاقتصادهم هم، والوضع المالي امتدادًا لأموالهم وكذلك الوضع الإعلامي والوضع الاجتماعي، وحتى سياستنا الخارجية أصبحت امتدادًا لسياستهم هم.
ولهذه الأسباب بالذات أرى بأن هؤلاء الوزراء أصبحوا جزءًا من المشكلة بدلًا من أن يكونوا جزءًا من الحل، وأصبح رحيلهم حتميًا من أجل عمان ومن أجل السلطان، بغض النظر عن خدماتهم الجليلة وتاريخهم الحافل بالعطاء.
وإذا كان السلطان قابوس يراعي الكثير من الأبعاد والاعتبارات في قرار رحيلهم، فلنا أن نتساءل ماذا ينتظرون هم كي يبادروا بالرحيل؟
ليس لدي آلية واضحة للقيام بذلك، لأنها ستكون سابقة في تاريخ عمان السياسي الحديث، ولكن أترك الوسائل لهم: عليهم القيام بذلك فورًا بطريقة وطنية لبقة.
حتى وإن قلت بأني لا أشكك في نواياهم، ولا أملك أي دليل على أطنان التهم التي تُكال عليهم، ولا أي مبرر عقلاني واضح للاحتقان الشارعي ضدهم، ولكني أرى بأن النوايا الحسنة وحدها لم تنفع في بناء الوطن، وأرى التهم تحولت إلى مظاهرات والاحتقان تحول إلى شغب، وكرة النار تزداد تسارعًا وتوهجًا يومًا بعد يوم: سقط قتلى وجرحى، اندست بيننا عناصر تخريبية، بعض الشركات العالمية في صحار بدأت تغلق أبوابها، بدأت أمريكا (وما أدراك ما أمريكا) توصينا بضبط النفس، سوف تبدأ قريبًا بعض المسيرات الانفصالية وفق المنطقة والمذهب والقبيلة.
من أجل كل ذلك، وقبل الخراب الكبير، من أجل المرحلة ومن أجل الوطن ومن أجل جلالة السلطان، وباسم ما اكتسبوه وما كسبوه أقول لهم بأنها ساعة الرحيل: ضعوا خبراتكم ومقدراتهم بين يدي جلالة السلطان واخرجوا من الدوائر المحتقنة، وسوف يسجلها لكم التاريخ بأحرف من نور.

الأربعاء، مارس 02، 2011

مسيرة الولاء والفهم بالإسقاط

يعتمد العقل البشري على الإسقاط لفهم الأفكار، خصوصًا المجردة والمعقدة منها. والإسقاط إما أن يكون بالتشبيه أو الاستعارة أو المجاز أو القياس أو أي إطار إدراكي آخر. وقلما يستطيع العقل أن يستوعب أي فكرة خارج هذه الدوائر. فالله حين أراد أن يفهمنا فكرة الله نفسها، كونها فكرة عُلوية مجردة، أسقط عليها أفكار حسية مألوفة جيدًا كفكرة الملك وفكرة النور وكي يُفهمنا فكرة النعيم الذي وعد به عباده المتقين أسقط عليه أفكار حسية تألفها العرب كفكرة الجنة أو البستان والخيول والثمار. هكذا، بوعيٍ منه أو بدون وعي، يفهم العقل البشري كل الأشياء المعقدة و"الغريبة".
مسيرة الولاء بالأمس هي أحد هذه الأفكار الغريبة في هذه المرحلة من عمر عمان التي تختض بأكملها مما يحدث في المحيط العربي.
ليت المنظمون لهذه المسيرة أدركوا بأن الفهم بالإسقاط يتم بين الأفكار الأقرب زمانيًا ومكانيًا وذهنيًا، وهذه هي الفكرة التي أسوق لها هنا.
مسيرة الأمس لن تُفهم خراج سياقها المرحلي، فهي لن تُفهم بقياسها على مسيرات والولاء العمانية في سبعينيات القرن الماضي، ولن تُفهم وفق أي بعد من أبعاد خريطة النهضة العمانية كحب كل العمانيين للسلطان ومراهنتهم عليه، ولكن ستُفهم وفق "مسيرات الولاء" المرحلية. هكذا يشتغل العقي البشري، شئنا أم أبينا. العقل البشري سيفهم مسرة الأمس من خلال قياسها بالمسيرات الموالية التي نُظمت في مراحل مشابهة وفي نفس الإطار السياسي والاجتماعي العام: والإطار الأقرب زمانيًا ومكانيًا وذهنيًا هنا هو بالطبع الإطار التونسي والمصري واليمني والليبي.
فمثلًا، الإعداد الجيد والحضور الأمني المكثف والتغطية الإعلامية الاحتفالية واستدرار العطف والتلاعب بالعقول والمشاعر والبكائيات والنوائح "الخالد-زدجالية"، كانت هي نفسها وفي نفس الوقت تمامًا على قناة عربية أخرى وهي القناة الليبية.
للأسف الشديد هذا هو ما حدث تمامًا. وللأسف الأشد، فإن القارئ لخريطة المرحلة سيبدأ بإسقاط كل تفاصيلها الخفية على الفكرة العمانية. أكرر مرة أخرى: هكذا يعمل العقل البشري، ولن يعمل خارج هذه الإطار رغم معجزات الإعلام العربي.
سيستنبط قارئ الخريطة، صوابًا أو خطأً، بأن هناك نظامًا عمانيًا مرتجًا متخلخلًا، وبأن هناك إضرابات واضطرابات، وهناك فساد ورشاوى وابتزاز، وهناك قمع وإرهاب وهناك مستنفعون متملقون راكبون على الموجة وخائفون على الكراسي نظموا هذه المسيرة واستغلوا البسطاء والطيبين لتحقيق مآربهم وبأن أجهزة الأمن العمانية شاركت في تنظيم المسيرة لأغراض لا يعرفها إلا هم، وبأن الإعلام العماني إعلام منافق ومهادن وفاقد المصداقية. كما سيستنبط قارئ الخريطة بأن هناك من يحاولون الإصلاح، كانوا معتصمين على بعد بضعة كيلومترات ولكن لم يلتفت إليهم أحد.
للأسف الشديد، لقد تم يوم أمس إسقاط شخصية بن علي ومبارك والقذافي وصالح على شخص جلالة السلطان وشخصيته: لقد سرقوا منه في لحظة خاطفة كل أمجاده الحقيقية.
الإعلام والأمن العمانيان يعتبان على المخربين في صحار إغلاقهم الشارع العام، والمصلحون بالأمس أغلقوا شارع السلطان قابوس، الشريان الحيوي الأهم في مسقط. أغلقوه لعدة ساعات تحت سمع وبصر الأمن والإعلام.

 لقد أغلقوا شارع السلطان قابوس... 

الثلاثاء، مارس 01، 2011

مسيرة ولاء للسلطان

تناقلت الهواتف النقالة دعوةً إلى مسيرة تأييد للسلطان (غدًا أمام الجامع الأكبر). والتجارب تقول بأن مثل هذه المسيرات في مثل هذا التوقيت ستكون مضرة بالوطن والسلطان. فهي أولًا سوف توحي بالانقسام في الصفوف العمانية، وستتخطف وسائل الإعلام، غير العمانية، الخبر على أن الأجهزة الأمنية هي من يقف وراء مثل هذه المسيرات، كما أنها سوف تستفز المخربين وتستنفرهم أكثر، وسوف تثبط من يريدون الإصلاح وستحجب رسائلهم الحقيقية عن السلطان وستخمد أصواتهم.
الأعلام العماني أشبعنا طوال الأربعين عامًا المنصرمة من كلمة "مسيرة": للولاء والعرفان. فكل الأعمال التنموية كانت مسيرة وكانت هبات وكانت مكارم.
من يريد الإصلاح في هذه المرحلة من التاريخ عليه التالي:
1.     إرسال رسائل مباشرة وصادقة إلى السلطان عن استحقاقات المرحلة: الدستور - ولاية العهد -استئصال الفساد والمفسدين - إصلاح الإعلام والتعليم - العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
2.     الكشف عن من وماذا كان وراء التخريب في صحار: من كان وراء "حبوب الهلوسة" والمشروبات الكحولية والوجوه الملثمة والمثلمة.
3.     معاقبة كل الجهات والأفراد الذين سوّلت لهم أنفسهم المساس بصوت الشارع وباستغلال المرحلة؛ معاقبتهم علنًا ودون خوف أو خجل أو رحمة.
4.     إظهار الصورة الحضارية الحقيقية للعمانيين: آمالهم، وآلامهم وتطلعاتهم.
كما قلت في رسالة سابقة: أصبح عمر الولاء والحب يُقاس بالثواني، وأي تأخر أو تأخير لمطالب المرحلة سيكون وبالًا على الجميع، وأضيف أن الحب، كأي غريزة عاطفية، يتناقص بمتوالية هندسية مرعبة.
يا مقلّب القلوب ...