فيما كان وما سيكون

الأربعاء، سبتمبر 28، 2011

استعارة المصير..مصير الاستعارة


في الرابع والعشرين من يونيو 2002 خرج جورج بوش على العالم باستعارة "خارطة الطريق" "Roadmap" التي أعدتها اللجنة الرباعية استنادًا إلى رؤيته هو، حلًا لما يُعرف بالصراع العربي الإسرائيلي الذي كان موعده العام 2005 حسب الخارطة...
من يومها انتشرت استعارة الخارطة في الإعلام العالمي وفي أروقة الأمم المتحدة وعلى طاولات المفاوضات انتشار النار في الهشيم، وكبرت واستعظمت. ولكن، بعد سنوات عجافٍ خبت واندحرت ولم يبق إلا رمادها الذي بعثرته المستوطنات ودبابات الغزاة والصراع الفلسطيني الفلسطيني والانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل والغيبوبة العربية و"عدم الانحياز" العربي في أزمنة الانحياز.
لماذا فشلت "استعارة" خارطة الطريق ولماذا فشلت "خارطة الطريق"؟
الأولى فشلت لأنها مجرد استعارة منزوعة من سياقها والثانية فشلت لأنه لا طريق ولا خارطة ولا أرض تٌبنى عليها طريق كي تكون لها خارطة.
كيف يسمونه "صراعًا" ثم يضعون له خارطة طريق؟ من سمع بخارطة طريق تُوضع لمتصارعيْن أو متحاربين؟ في الأصل: إذا كانا يستطيعان السير وفق خارطة طريق محددة سلفًا، فلن يكون هناك صراع.
من عاش يومًا في مدينة يدرك بأن خارطة الطريق ليست هي المدينة وليست المسافات وليست الاتجاهات وليست الوجهات أو الأماكن. الخارطة لا تخلق الأماكن والأبعاد من عدم كما حاولت خارطة الطريق الأمريكية: هي إسقاط لأبعاد وأماكن موجودة سلفًا. وحين لا تكون لك وجهة محددة فلن تنفعك أية خارطة في العالم.
ومن عاش يومًا في صحراء يدرك بأن ما كل يحتاجه للخروج منها هو بوصلة تحدد الاتجاهات، إذ لا خرائط طرق على رمال متحركة.
ما هي الاستعارة البديلة؟
لماذا لا نجرب استعارة الحبس أو السجن؟
عدوان لدودان وجدا نفسيهما سجينين في زنزانة واحدة. كلاهما يفكر بالانعتاق أو البحث عن وسائل للتعايش السلمي.
أرى استعارة الحبس من أقرب الاستعارات لتوصيف الوضع، لكنها من أصعبها في ظل غياب توازن القوى بين الطرفين وانحياز أطراف خارجية لأحدهما على حساب الآخر.

أهمية الاستعارة أنها تعمل على مستويين: الذهن واللغة. وتكمن مشكلتنا معها في عدم القدرة على استقراء الإسقاط الذي تحدثه حينما تنقل أشياء من المجال المصدر غلى المجال الهدف وتترك أشياء أخرى ورائها.
الاستعارة بطبيعتها مُضللّة ومبتورة ولا يستقيم استقرائها إلا بالولوج إلى عقلية قائلها ونفسيته واستحضار سياقها لفظًا ومعنىً. فلو قال لك قائل: "فلان ساعة رولكس"، فإنك سوف تستحضر معاني كثيرة منها الدقة والفخامة والانضباط والرقي وغيرها... ولكن ماذا لو أضاف القائل بعدها: "لا يُقدم ولا يؤخر"؟