فيما كان وما سيكون

الأربعاء، ديسمبر 23، 2009

في الرق ودولة المؤسسات


لو لم تكن هذه مجرد مدونة، ولو كان لي شغف علماء الإحصاء، لحصرت عدد "السادة" و"الشيوخ" الذين تعينوا في مناصب حكومية في الدولة العمانية؛ ولحددت نسبتهم المئوية بين المسئولين من فئتهم (بلغة السيارات)، وكذلك نسبتهم من عدد السكان المهيئين والمؤهلين لشغل هذه المناصب.
لكني أترك ذلك لعلماء السياسة والاحتمالات والإحصاء.

مفاهيم مثل "السيد" و"الشيخ"، لو تأملناها جيداً، هي مفاهيم ذات صلة وثيقة بمفهوم الرق والطبقية الاجتماعية الحتمية المتوارثة.. ولكن لا نشعر بها جيداً ما لم نُسقطها على مفاهيم حديثة كالمؤسسات والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون وتساوي الفرص.

أريد هنا قول شيئين:
أولاً: اللقب الاجتماعي السياسي كالشيخ أو السيد يفرض سلطةً حتمية مسبقة وغير قابلة للمجادلة أو التساؤل،. ودخوله (اللقب) إلى المؤسسة يُربك فكرتها ويخلخل هرميتها ومبادئها الإدارية والعدلية والاقتصادية.
ثانياً: معايير التلقيب (إعطاء اللقب) الاجتماعي لا تتماشى مع معايير التنصيب المؤسساتي. بالتالي يصبح التوفيق بينهما نوعاً من المقامرة.

مفهوم الشيخ أو السيد مفهومٌ جامد متوارث وغير قابل اجتماعياً للتغيير أو الحذف أو التحريك (علواً أو انخفاضاً). ومعاييره لا تخضع لمعايير اللقب المؤسساتي كمنصب الوزير أو الوكيل. وبالتالي يُصبح إسقاط اللقب الاجتماعي على المؤسساتي إسقاطاً لمعايير اجتماعية بعيدة كل البعد عن معايير العدل والمساواة والمؤسسة وسيادة القانون.

المنصب، وفق المفهوم المؤسساتي يأتي (وقد لا يأتي) بعد سنوات من الكد والكدح والمنافسة الشريفة والتدرج والتضحيات في سبيل المؤسسة.
على النقيض من ذلك، اللقب الاجتماعي: دائماً وأبداً يأتي لصاحبه جاهزاً على طبق من الطبقية الجامدة والهرمية الجوفاء والإقصائية وربما الظلم. بالتالي يُصبح التزاوج بين اللقبين (كمعالي الشيخ الوزير مثلاً) ما هو إلا هجمة قبلية على المؤسسة، وترسيخ للطبقية الاجتماعية، وقبول ضمني لمبادئها، وتمكين مباشر لها للنيل من موارد المؤسسة/الدولة البشرية والمالية والطبيعية، وتمرير لأجندات ذات طابع عرقي قبلي مذهبي جهوي إقصائي.

ما يدلل على خلخلة المفهومين الاجتماعي والمؤسساتي وانتصار القبيلة على المؤسسة هو أن الألقاب التي تمنحها المؤسسة اتخذت صفة التخليد والجمود تماماً كالألقاب الاجتماعية: قلما يخرج وزيرٌ من وزارته/قبيلته إلا ليدخل إلى وزارة/قبيلة أخرى، وإن خرج منها فإنه سوف يحمل معه لقب "معالي" إلى كل مثاويه الأخرى والأخيرة: وربما كان من بينهم من يفكر بتوريث اللقب إلى أبناءه.

حتى وإن قبل مجتمعٌ ما بالحكم السيادي المتوارث لاعتبارات تاريخية وثقافية وحتى عاطفية ونفسية، كيف تقبل السيادة نفسها بنشأة سلطنات داخل السلطنة ومملكات داخل المملكة؟ المسألة إما أن تكون حسابات وتوازنات اجتماعية على حساب المؤسسة، وإما أن تكون انفلات مركزي وخروج الأشياء عن التحكم والسيطرة، وإما أن تكون الأولى ومن ثم آلت إلى الأخرى. وفي كل الأحوال جاءت النتائج سلباً على حساب الجميع: السلطة والمؤسسة والمجتمع والفرد.


مفهوم الشيخ أو السيد هو امتداد ثقافي لمفهوم الرب..بيد أن الرب يستمد شرعيته بين عباده من كونه هو الخالق والمنظم والمسير للكون. الشيخ أو السيد في السياق المؤسساتي لا شرعية لسلطته ولا مبرر لتحركاته بكل هذه الحرية في أروقة المؤسسات. وإذا كانت المجتمعات قد قبلت بذلك لاعتباراتٍ ما، فعلى المؤسسة أن ترفض ذلك لاعتبارات أهم، خصوصاً في هذه المرحلة من التاريخ.



الطيور التي لا تطير..
الطيورُ التي أقعدتْها مخالَطةُ الناس
مرتْ طمأنينةُ العَيشِ فَوقَ مناسِرِها..
فانتخَتْ
وبأعينِها.. فارتخَتْ
وارتضتْ أن تُقأقَىَء حولَ الطَّعامِ المتاحْ
ما الذي يَتَبقى لهَا.. غير سكينة الذبح
غيرُ انتظارِ النهاية.
إن اليدَ الآدميةَ.. واهبةَ القمح
تعرفُ كيفَ تَسنُّ السِّلاح!
***
الطيورُ.. الطيورْ
تحتوي الأرضُ جُثمانَها.. في السُّقوطِ الأخيرْ!
والطُّيُورُ التي لا تَطيرْ..
طوتِ الريشَ, واستَسلَمتْ
هل تُرى علِمتْ
أن عُمرَ الجنَاحِ قصيرٌ.. قصيرْ؟



السبت، ديسمبر 12، 2009

الإسلام والرق وتوظيف اللون


تناول الإسلام ظاهرة الرق بأكثر من أسلوب وعلى أكثر من مستوى؛ من بينها:
1.    في الدية والقصاص "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ...".
2.    في التكاليف والعقوبات: فمثلاً عورة الحرة ليست كعورة الأمة، ولباس الحرة ليس كلباس الأمة، وعدة الحرة ضعف عدة الأمة. والإماء المحصنات، إذا أتين بفاحشة "فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب".
3.    في النكاح: الأمة والعبد لا يتزوجان إلا بإذن السيد الحر. أما الحر فله أن يتملك أي عدد شاء من الإماء، وموضوع الاستئذان هنا غائب تماماً فقهياً كون العبد سلعة لا أقل ولا أكثر.
4.    عتق الرقاب في الخطايا: يرى البعض أن في ذلك تدرجٌ في إلغاء الرق، بينما يمكن المجادلة بأن في ذلك تثبيتٌ له. فالعتق يُطرح هنا كعقوبة دنيوية عن خطيئة بعينها. والعقوبة تعني ضمناً التضحية بما نحب، وفي ذلك ترسيخ ضمني للعبودية كظاهرة "محبوبة" ينبغي المحافظة عليها. فإذا كان الحر سيخسر عبداً عن خطيئة ارتكبها، كالجماع في نهار رمضان، فعليه التزود بأكبر عدد ممكن من العبيد، تحسباً لمثل هذه الخطايا، بل وربما استمراءً لمثل هذه الخطايا. (هل الحكم بعتق الرقبة جاء للحث على الغزو والسبي لا لإلغاء الرق؟)
5.    السبي وملك اليمين في المغازي الإسلامية كما اتضح أعلاه.
6.    تقديم العبيد كهدايا: فعن ميمونة بنت الحارث أنها أعتقت وليدة لها ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت: "أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي؟" قال: "أو فعلت؟ " قلت: "نعم" قال النبي صلى الله عليه وسلم" أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجركمتفق عليه.

يمكن القول بأن هذه الأساليب في طرح مسألة الرق في الإسلام هي أساليب اجتماعية وفقهية يحكمها سياق تاريخي. بيد أن هنالك أسلوب مغايرٌ تماماً. أسلوب ربما يكون أقواها وأرسخها لأنه يعتمد على ما سأسميه تجاوزاً "اللغذهنية". وهو، بتبسيط شديد، أسلوب لغوي-ذهني: يستخدم اللغة في إسقاط مفهوم بعينه على مفهوم آخر، وهو هنا تحديداً توظيف اللون في القرآن، كما جاء في قوله تعالى "يوم تبيّض وجوه وتسوّد وجوه". اللغة هنا لا تقف عند حد الوصف ولا عند البعد التاريخي للرق ولا يبدو بأن بينها وبين الرق أي علاقة أصلاً. وهنا تكمن الخطورة، فالآية تعمل، تحت مستوى وعي القارئ، على بناء وترسيخ مفاهيم ذهنية محددة بإسقاط "مفهوم" اللون الأبيض على الخير والخيريين، وإسقاط "مفهوم" اللون الأسود على السوء والمسيئين. فالآية لا تقول بأن ذوي الوجوه السوداء هم أصحاب النار ولكنها تقول بأن أصحاب النار وجوههم سوداء. والآية لا يمكن قراءتها في سياق مرتبط بالرق، ولكنها تستعير ضمناً مفهوم الرق بأكمله لتبني به مفاهيم الخير والشر والثواب والعقاب .

اللون هنا استعارة: والآية تُحمّل اللون الأسود أو تبني به مفاهيم القبح والبغض والشر والدونية والإقصاء من الرحمة الإلهية، وتبني من اللون الأبيض مفاهيم الجمال والمحبة والخير والعلو والقرب من ملكوت الله.
ونجد هذا الأسلوب راسخ ذهنياً وسائد اجتماعياً وموظفٌ لغوياً في قولنا مادحين "بيّض الله وجهك"، وقولنا ذامين "سود الله وجهك"، (تُرى ماذا يقولون في السودان؟).
  
خطورة الأسلوب اللغذهني هذا تكمن في استعصائه على المعالجة كونه يمر تحت مستوى الوعي وتحت رادارات التقدم الحضاري والتسلسل التاريخي للأحداث. فجميع الاطروحات التي سبقت يمكن تجاوزها وحلحلتها بأساليب مختلفة كالدخول في قضايا الناسخ والمنسوخ، والمكي والمدني، وأسلوب "ذهبت طائفة"، والضعيف والصحيح، وتأريخية النص. وفي أضعف الأحوال يمكن معالجة القضية بمجموعة من القوانين الوضعية، والبرامج الاجتماعية والسياسية التي تحارب التفرقة على أساس العرق أو اللون أو الجنس. ولكن الأسلوب الذهني راسخ تناقلته الأجيال تحت مستوى القدرة على التغيير كونه تحت مستوى الوعي.





سيري ببطءٍ، يا حياة،
لكي أراك‏ بكامل النقصان حولي.
كم نسيتك في خضمّك باحثاً عنّي وعنك.
وكلّما أدركت سرّاً منك قلت بقسوةٍ: ما أجهلكْ!‏
قلْ للغياب: نقصتني وأنا حضرت ... لأكملكْ!‏




الثلاثاء، نوفمبر 17، 2009

بين الإعجاز والعجز


كثيراً ما تفنن مشايخ الإسلام وعلمائه  في قضية "الإعجاز في القرآن". لم يتركوا نظرية أو قانون أو اكتشاف أو حتى ظاهرة طبيعية إلا وأوجدوا لها عرقاً إعجازياً في القرآن: من الإعجاز البلاغي إلى قوانين نيوتن والنسبية وعلم الأجنة والفلك والفيزياء والكيمياء والسياسة والفلسفة والقانون والتربية.

وكثيراً ما كانوا يلون أعناق العلم وأعناق الدين وأعناق اللغة والتاريخ كي يصلوا لما يسعون إليه.

صار الأمر ظاهرة: لها شيوخ طريقة ودراويش ومريدون ومنتفعون ومؤلفات وقنوات ومواقع إلكترونية، ومنظمات وأسواق تدور فيها ملايين الدولارات.

السؤال ليس عن مدى احتمال القرآن لكل ذلك، فقد شبع الموضوع نقاشاً من الفريقين: المع والضد. ولكن عن مسائل أخرى:

1.    لماذا يفعلون ذلك؟ هل هو شعور بالنقص في أنفسهم وفي دينهم وتدينهم لأن التاريخ يتجاوزهم كما تجاوزهم العلم وتجاوزتهم الحضارة؟ هل هو استغلال للمعرفة (حتى وإن كانت معرفة ملوية الأعناق مكسورة الخاطر) في سبيل السلطة والمال والشهرة ومآرب أخرى؟
2.    هل يفعلون ذلك تكبيراً من شأن الدين أم من شأن العلم؟ هل الأديان تحتاج لمباركة العلم، حتى ولو كانت مباركة قسرية، كسباً لمكانتها وديمومتها في العقول والقلوب والجيوب؟ هل العلم محتاج لمباركة الأديان كي يأخذ دوره في الحياة إصلاحاً أو إفساداً، بناءً أو تدميراً؟
3.    ماذا سيقولون لذوي الألباب حين تسقط نظرية من النظريات التي بنوا عليها أمجادهم؟  ألم يحدث ذلك مراراً وتكراراً؟ ولكن لا بد هنا من تسجيل قدراتهم الخارقة على خلق الأجوبة المعلبة والحلول الجاهزة.
4.    لماذا يقضون أعمارهم يتحدثون عن الحيض والنفاس، والمسيار والوناسة، والوطء والخلع، وحادثة السقيفة ومعركة الجمل، وحين يأتي مفكرٌ "كافر"، رهن عمره للعلم، بنظرية أو اختراع، يسرقونه من بين يديه في لحظة خاسرة وينسبونه إلى كتاب لم يحسنوا قراءته؟
5.    لو ثبت وجدود نظرية ما في القرآن، أليس من الأجدر والأجدى في ظل تخلفهم الوجودي أن يتواروا خجلاً وألا يذكروا ذلك، بل وأن يكّذبوا من ادعى وجودها، احتراماً لكتابٍ كان بينهم لأكثر من أربعة عشر قرناً ولم يجدوا فيه ما كان ينبغي عليهم أن يجدوا؟
6.    لماذا لا يحترمون عقول أولائك المحتاجين للدين كونه ديناً لا أقل ولا أكثر؟ لماذا لا يحترمون عقول المشككين والمرابطين على بوابة الحقيقة أكان مصدرها العلم أم الدين لا فرق لديهم؟
7.    لماذا يسرقون الدين من سياقه التاريخي والاجتماعي والتعبدي، ليسقطوا قراءات مغلوطة على سياقات مغايرة؟

أليس من المخاطرة الزج بالأديان والمعتقدات في زوايا ضيقة ومراهنات خاسرة في سبيل انتشاء لحضي قد يذهب ضحيته العلم والدين؟

مثلاً: يقولون للعالم بأن آية: "اقرأ، بسم ربك الذي خلق" إنما نزلت للحض على التعلم والتعليم بمفهومه العصري والنظامي الذي جاء به الغرب؟ وفي نفس الوقت يتفاخرون (لا أدري لماذا وأدعي بأنهم مخطئون) بأن النبي محمد (ص) كان أمياً: لا يقرأ ولا يكتب؟

فأولاً: لماذا إذاً لم يقم النبي الأمي محمد (ص) بتعلم القراءة والكتابة فور نزول الآية؟ علماً بأنها نزلت في بداية البعثة الإسلامية.
ثانياً: ماذا لو تطورت فلسفة المعرفة ليصبح نظام التعليم الحالي (القراءة والكتابة) شيئاً من التاريخ؟ وهذا وارد بالطبع في ظل التقدم المطرد في علم الإدراك والـvirtual Reality.


الخطورة لا تكمن في اهتزاز مصداقية الدين فقط. الخطورة الأكبر في أن يبدأ الدين والعلم كلٌ في توجيه الآخر واستجداءه والتفاوض معه. هذا هو واقع هذا الجزء من العالم، وهذا هو سر التخلف العلمي والديني، والانهزام الحضاري، وهذا هو العجز بعينه وليس الإعجاز كما يدعون..!

قل ما كنتُ بِدْعاً من الرسل وما أدري ما يُفعل بي ولا بكم إنْ أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين...

الاثنين، نوفمبر 09، 2009

الجـــدار


"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً"

أقرأ هذه الآية وأتذكر قصتين.


الأولى في مستشفى البريمي. كنت زائراً حين نادتني أحداهن، لألتفت وأجد كتلة من السواد. (أنا فلانة ما عرفتني)!!.. وكيف لي أن أعرفك يا سيدتي خلف كل هذه الجدران السوداء، وبين كل هذه الأجساد التي تمشي وتجلس وتأن وتضحك وتبكي تحت طبقات من السواد.
القصة الثانية: حدثني من أثق به عن مجموعة من النساء في إحدى مناطق عمان أنزلتهن سيارة الإجرة على بعد شارعين من مسكنهن ليتهن لساعات قبل أن يهتدين إلى المسكن.
لقد سُرقت منهن بوصلة الحياة وخارطة الطريق منذ سنوات طويلة.

الآية تقول ذلك أدني أن يُعرفن..! والواقع يقول بأنهن لا يُعرفن ولا يَعرفن!

أمهات التفاسير اختلفت (كالعادة) في قوله "يدنين عليهن من جلابيبهن". اختلفوا في الجلباب وفي صورة إرخائه. طائفة ذهبت بأنه يعني تغطية كامل الوجه، وذهبت أخرى إلى أنه يعني تغطية عين واحدة (تخيّل) واختلفوا أهي العين اليسرى أم اليمنى....!!

لعل المعني في أسباب النزول كما تعلمنا في المدرسة. وهناك كانت المفاجأة الأخرى.

في يثرب، بعد الهجرة، النساء يخرجن مساءً لقضاء الحاجة. وبعض أهل المدينة يتحرش بهن، فاشتكين ذلك لأزواجهن، ليشتكوا إلى النبي، ليسأل المتحرشين عن الحكاية ليكون جوابهم: "إنما نفعل ذلك بالإماء"، ليرفع الأمر إلى الله، لتتنزل هذه الآية.
جميع المفسرين إذاً اتفقوا على أن آية الحجاب هذه نزلت للتفريق بين الأمة والحرة.

فسبب نزول الآية، أكرر، هو تمييز الحرائر عن الإماء في الزي، وذلك كي لا يتعرض لهن فسّاق المدينة. وقد روي عن عمر بن الخطاب بأنه كان يدور في المدينة بدرته ويضرب الأمة المتجلببة قائلاً: أتتشبهين بالحرائر يا أمة؟

عليه:
1. هل "أدني أن يُعرفن" توحي بتغطية الوجه. نعم إذا وفقط إذا كان الأمر هنا يأخذ طابع التصنيف والتمييز الجمعي: مجموعة الإماء لا تغطي وجوهها ومجموعة الحرائر تغطي وجوهها.
2. ما هو مفهوم الأمة؟ وما عورة الأمة؟ (ذهب بعضهم إلى أن عورة الأمة كعورة الرجل).
3. هل تلبس الأمة ما تشاء، ويتحرش بها من يشاء؟
4. هل للتحرش علاقة بالأزياء وبالأصول والطبقات الاجتماعية؟.
5. ماذا عن المقاصد؟ وماذا عن زوال الوضع الذي نزلت فيه الآية؟ هل سيتغير مفهوم الجلباب والأزياء بشكل عام.
6. إذا كانت المشكلة تكمن في الرجل. أعني هو الذي يتأذى من شعر المرأة وعنقها وبقية جسدها، فما ذنبها هي؟ لماذا يُبنى حولها هي هذا الجدار الفاصل بينها وبين الشمس والهواء والحرية؟ لماذا يستقطع ذلك من جسدها وعقلها وليس من جسده وعقله هو؟
أخيراً: ماذا عن اللون الأسود؟؟


على هذه الأرض ما يستحق الحياة:

تردد إبريل

رائحة الخبزِ في الفجر

آراء امرأة في الرجال

كتابات أسخيليوس

أول الحب

عشب على حجرٍ

أمهاتٌ يقفن على خيط ناي

وخوف الغزاة من الذكرياتْ. 



على هذه الأرض ما يستحق الحياةْ:

نهايةُ أيلولَ

سيّدةٌ تترُكُ الأربعين بكامل مشمشها

ساعة الشمس في السجن

غيمٌ يُقلّدُ سِرباً من الكائنات

هتافاتُ شعب لمن يصعدون إلى حتفهم  باسمين

وخوفُ الطغاة من الأغنياتْ. 


الاثنين، نوفمبر 02، 2009

ناقصات العقل والدين: مرةً أخرى


القول بأن النساء ناقصات عقل ودين قولٌ ينقصه العقل والدين.
علة نقصان الدين لديهم هي عدم ممارسة النساء لبعض الشعائر التعبدية كالصلاة وقراءة القرآن لبعض الأوقات كأوقات الحيض والنفاس.

كي أوضح ما أريد قوله أضرب القياسين التاليين: لو أمر رجلٌ زوجته ألا تتواصل معه في أوقات بعينها كأن يأمرها ألا تتواصل معه حين يكون في المكتب أو حين تكون هي في المطبخ مثلاً، وكان يعلم في أعماقه يقيناً بأنها تود التواصل معه في ذلك الوقت ولكنها لم تفعل طاعةً لأمره، فهل له أن يأتي على حسابها في آخر الليل وآخر العمر بحجة أنها لم تتواصل معه حينها؟ أم عليه أن يشكرها على الالتزام بما أمر؟

قياسٌ آخر: هل قاصر صلاة السفر ناقص دين؟

المرأة مأمورة بترك التعبد أوقات الحيض والنفاس، ولم تختر ذلك، كما لم تختر أصلاً أن تكون امرأة تحيض وتنفس. وهي تتعبد بتركها للعبادة. فهل ينقص دينها بتعبدها؟

ألا تعد هذه الحجة عملية كمٍ على حساب النوع، كما أراد بعض المشايخ الذين أفتوا بجواز قراءة القرآن بطريقة القراءة السريعة (خصوصاً في رمضان)، كي يرتفع رصيد حسنات القارئ؟

لو أراد العقل أن يحاكم الدين لسأل: لماذا تُطرد المرأة من ملكوت الله التعبدي في الحيض والنفاس؟ ألا تكون المرأة أضعف ما تكون جسداً ونفساً وبالتالي تحتاج إلى التمسك بالله والتقرب منه ولو بقراءة سورة من القرآن؟
لو عدنا لمثال المرأة في المطبخ: ماذا لو اجترحت سيئةً أو حنيناً إلى زوجها؟ ماذا لو جرحتها مديةٌ واحتاجت أن تتصل به استشفاءً للروح والجسد والنفس، وهي محجوبة عنه؟ إذا اتصلت حاسبها!! وإذا لم تتصل هل سيحاسب نفسه؟

أما عن نقصان العقل، ففيه أقوال: هل ينسحب ذلك على كل النساء أم على المسلمات فقط؟

يلوح لي أن نقصان العقل ينطبق على المسلمات فقط، كما يلوح لي بأن ذلك صحيح: هن فعلاً ناقصات عقل لأن عقولهن صدّقن بأنهن ناقصات دين..!! واستسلمن لسنوات طويلة من "البهذلة" و"الشحططة" و"المرمطة" باسم نقصان العقل والدين...


الله يكمّل!



كالغربان المولية الأدبار..
سأصرخ يا حبيبتي...
إذا لم تعطني سراجك في الليل
وذراعك في الشيخوخة
وسريرك في الزمهرير
ولقمتك في المجاعات
سأحشو مسدسي بالدمع
وأملأ وطني بالصراخ
إذا لم تعطني جناحاً وعاصفةً
لأمضي
و عكازاً من السنونو
لأعود..
حتى الأغصان العالية ترتجف
عندما أنظر إليها وأنا أبكي




الاثنين، أكتوبر 26، 2009

في ناقصات العقل والدين والحجم


·       هل تعاني الأنثى من مشكلة في الواقع العماني؟
·       نعم يا سيدي، مشاكل وليس مشكلة واحدة، وفي كل واقع وليس الواقع العماني وحده.
·       أين هي المشكلة؟ هل في الصحة أم في التعليم أم في الاقتصاد أم في التربية أم في العدل...؟؟؟
·       طبعاً لا: هذه نتائج المشكلة وليست أسبابها.
·       أين تكمن المشكلة إذاً؟
·       المشكلة تكمن في عقل الذكر وتنبع من هناك، ومن هناك تسربت إلى كل شيء وأتت على كل شيء (حتى على عقل المرأة)...


المشكلة تكمن في ذكورية الثقافة وذكورية اللغة وذكورية الدين وذكورية السلطة وذكورية الذكر التي تحاصر الأنثى وترسم لها ملامح أنوثتها، ترسمها بها وعنها.


المشكلة تكمن في إن المرأة، ككائن مستقلٍ وفاعلٍ وممتلئ بذاته، كانت عبر العصور ولم تزل كائناً مفعولاً به وامتداداً عضوياً للذكر ووعاءاً مفرّغاً من محتواه ليملئه الذكر ويمليه، كائناً متلقياً منفعلاً مفعولاً به: لغوياً وجسدياً وأخلاقياً وفلسفياً واجتماعياً ونفسياً.


المشكلة تكمن في وضع اليد وفي الملكية وفي التشيىء: في أول ذكرٍ وضع سياجاً مادياً على قطعة أرض وقال هذه ملكي ووضع سياجاً معنوياً على قطعة جسدٍ وقال هذه ملكي. من تلك اليوم والذكر يفكر عنها ويبنى معارفه عنها ويبني لغته وفلسفته وثقافته ودينه عنها، دون أن يدرك هو، أو تدرك هي، بأنه كان يبني كل ذلك بها وعليها.


المشكلة تكمن في السيد داروين ونشوءه وارتقاءه: في ضآلة حجم المرأة وفي وظائف الأعضاء وفي هشاشة العظام وهشاشة الروح وفي الغدد الدمعية واللمفاوية وفي الهرمونات والنتوءات التي تُذّكر الذكر بذكوريته وتذكر الأنثى بأنوثتها.


المشكلة تكمن في الضلع الأعوج والمتاع والوطء وملك اليمين وزينة الحياة الدنيا، وفي التراكمات والتداعيات الفلسفية والدينية التي وضعت المرأة كائناً مخبرياً مورست عليه كل هذه التجارب الفاشلة.


المشكلة تكمن في لأستاذ فرويد وفي نظريته في التحليل النفسي، التي وضعت الأنثى امتداداً لنفسية الذكر وصورة سالبة (Negative) لصورة الذكر، وجسداً ناقصاً مبتوراً: تحسد الذكر على أعضاءه التي لا تملك مثلها.


·       كيف يمكن الإصلاح والحال هذه؟؟
·       إن أي إصلاح لا يبدأ بالعقل الذكوري والثقافة الذكورية واللغة الذكورية والدين الذكوري هو إصلاح ناقص، وربما قد يأتي بنتائج عكسية. فمثلاً، الحركات النسوية، وما يُسمى بتكريم أو تمكين المرأة يثير بدون شكٍ حفيظة الذكورية الكامنة، ويؤدي إلى ارتدادات لا تحمد عقباها، تعزز السطوة الذكورية أكثر مما مضى.


·       هل تعاني الأنثى من مشكلة في الواقع ؟
·       لست أدري: ربما الرجل هو من يعاني، ربما هي سنة الكون.

دعيني أفكر عنكِ ..وأشتاق عنك ِ ..
وأبكي وأضحك عنكِ 
وألغي المسافات بين الخيال وبين اليقين ..

دعيني أنادي عليك بكل حروف النداء .. 

لعلي إذا ما تغرغرت باسمك من شفتي تولدين 


الأربعاء، أكتوبر 14، 2009

في الضلع الأعوج






حين نقرأ الآية: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) (النساء34). ينبغي تأمل الآتي:

1.      الفعل "ضَرَبَ" في اللغة لا يحمل معنىً في ذاته. ما لم يُوضع في سياق محدد كقولنا: "ضرب الله مثلاً" و"ضرب فلانٌ في الأرض"، و"اضرب برجلك" و " وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ"، و"مضاربة مالية"... قس على ذلك مثلاً الفعل: قَذَفَ فهو فعل لا يستبان معناه في ذاته.
2.      إذاً الفعل ضرب بصيغته المجردة كما وردت في الآية لا يحتمل معاني الإيذاء أو الإيلام الجسدي بقصد التأديب أو خلافه، أعني أن كلمة اضربوهن في الآية لا تعني مطلقاً ما يقوله المفسرون ولو حاولوا تخفيفها بقولهم ضرب غير مبرح وخلافه.
3.      كما أن العربية فيها أفعال ذات معاني محددة بدقة لما تعارفنا عليه تجاوزاً بأنه ضرب، من ذلك قولهم: لطمَ ورفسَ وركل وطعن ولَكَمَ؛ أما عند استخدام الفعل "ضرب" فإن اللغة تحدد بماذا الضرب أو في ماذا.
4.      القول بأن الآية تحض على ضرب الزوجة أو تبيحه هو "ضربٌ" من الخيال الذي تضطرب به عقول من يضربون في الأرض ابتغاء تأويله، وابتغاء المضاربة فيما بينهم أيهم أشد تقرباً للرحمن بإقصاء الجنس الآخر.

ما هو المخرج إذن من هذه الورطة أمام النص؟ المخرج أولاً وأخيراً هو تحريك النص وعدم التعامل معه بجمود ثقافة بائدة كما فعل الأولون..

قبل الدخول في فعل الضرب، سأضرب مثلاً الآية: "يوم نطوي السماءَ كطي السجل للكتب"، فلهذه الآية قراءات أخرى من بينها "يوم تُطوى السماءُ..."، كما ورد في "ابن كثير" و"الطبري" و"البغوي".
وما يعنيني من المثال المضروب هنا هو أن "النقطة" احتملت التحريك والتعدد لتقرأ نوناً مرةً وياءً مرة أخرى، وهنالك الكثير من الأمثلة المشابهة في قراءات القرآن.

هنا والآن أنقل رأي الصادق النيهوم: بأن أصل الآية هو : فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاعزِبُوهُنَّ، وذلك بتحريك النقطة من فوق الضاء لتصبح عيناً، ووضعها فوق الراء لتصبح زاياً. ولتوضيح ذلك ينبغي أن نتذكر التالي:
1.      التنقيط لم يدخل على العربية إلا بعد كتابة القرآن بفترة طويلة. فمن الجائز إذا أن تسقط النقطة سهواً في غير موضعها أو أن تقع بين بين.
2.      الكتابات العربية القديمة لم تكن بوضوح لوحة المفاتيح التي نكتب عليها اليوم. فمن الجائز أن يُكتب الحروف "ضـ" في الآية برسم يشابه كثيراً الحرف عــ، وهذا ما حدث بالفعل، بالتالي فإن النقطة هنا هي التي تحدد المعنى.

باختصار: من الممكن أن تكون الكلمة هي: اعزبوهن وليس اضربوهن.
والعزبة في العربية العمانية معروفة، فهي تعني الابتعاد الجسدي عن الأهل والمال، بقصد الهجران أو غيره، كقولهم عزبَ فلان. وقواميس اللغة العربية تتفق تماماً مع هذا المعني كما في لسان العرب والقاموس المحيط (http://baheth.info/all.jsp?term).

ولو تركنا الجانب اللغوي وانتقانا إلى الجانبي التربوي والنفسي سنجد بأن تسلسل الأسلوب هنا أكثر منطقيةً: بمعنى: لو اتبعنا التسلسل التربوي في التعامل مع الزوجات النواشز أو اللاتي (مجرد) نخاف نشوزهن والذي يطرحه المفسرون وهو: (عضه – هجران في المضاجع – ضرب) لوجدنا الضرب هنا، لو صح معناه الذي يطرحه المفسرون، لا يتوافق مع البناء المنطقي لأسلوب التأديب المطروح في الآية.
ذلك على الأقل مقارنة بالتسلسل المنطقي الذي تطرحه قراءة "اعزبوهن" وهو: عضه – هجران –عزبة. فالتسلسل هنا أكثر ترابطاً وأعمق أثراً. فعملية التقويم والإصلاح تبدأ بالعضة قولاً، فإن لم يُستجاب لها، سيتبعها منطقياً العضة بالفعل الصامت وهو هنا الهجر في المضاجع (كأن يدير لها ظهره أول الليل وآخره)، ويليها إنشاء "عزبته" الخاصة كأن ينام في المجلس أو في شقة صديق أو في فندق أو مسجد أو أن يرتمي على أبواب الحانات في آخر الليل.

لست معنياً بصحة المنهجين المطروحين فيما تقدم، بقدر ما يعنيني اختيار منهج "العزبة" من بينهما كونه أكثر ترابطاً وانسجاماً من النواحي النفسية والتربوية والإنسانية واللغوية.
الأهم من كل ذلك هو أن هذه القراءة ربما تحرر الكثيرات من القهر والاستعباد والقمع باسم الدين، وستعيد لهن مكانتهن بين الكائنات،  كما أنها ستنقلنا خطوةً نحو أرضنة العلاقات الزوجية تحت مظلة قانون منطقي لا يبغي الذكور فيه عليهن سبيلاً.. 


 لم يكن يُغضبها..
لكنه كان يقول
كلماتٍ تُوقع المنطق في الفخ..
إذا سرتَ إلى آخرها
ضقتَ ذرعاً بالأساطير التي تعبدها
وتمزقتَ حياءً
من نواطير الحقول...!