فيما كان وما سيكون

الأربعاء، أكتوبر 14، 2009

في الضلع الأعوج






حين نقرأ الآية: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) (النساء34). ينبغي تأمل الآتي:

1.      الفعل "ضَرَبَ" في اللغة لا يحمل معنىً في ذاته. ما لم يُوضع في سياق محدد كقولنا: "ضرب الله مثلاً" و"ضرب فلانٌ في الأرض"، و"اضرب برجلك" و " وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ"، و"مضاربة مالية"... قس على ذلك مثلاً الفعل: قَذَفَ فهو فعل لا يستبان معناه في ذاته.
2.      إذاً الفعل ضرب بصيغته المجردة كما وردت في الآية لا يحتمل معاني الإيذاء أو الإيلام الجسدي بقصد التأديب أو خلافه، أعني أن كلمة اضربوهن في الآية لا تعني مطلقاً ما يقوله المفسرون ولو حاولوا تخفيفها بقولهم ضرب غير مبرح وخلافه.
3.      كما أن العربية فيها أفعال ذات معاني محددة بدقة لما تعارفنا عليه تجاوزاً بأنه ضرب، من ذلك قولهم: لطمَ ورفسَ وركل وطعن ولَكَمَ؛ أما عند استخدام الفعل "ضرب" فإن اللغة تحدد بماذا الضرب أو في ماذا.
4.      القول بأن الآية تحض على ضرب الزوجة أو تبيحه هو "ضربٌ" من الخيال الذي تضطرب به عقول من يضربون في الأرض ابتغاء تأويله، وابتغاء المضاربة فيما بينهم أيهم أشد تقرباً للرحمن بإقصاء الجنس الآخر.

ما هو المخرج إذن من هذه الورطة أمام النص؟ المخرج أولاً وأخيراً هو تحريك النص وعدم التعامل معه بجمود ثقافة بائدة كما فعل الأولون..

قبل الدخول في فعل الضرب، سأضرب مثلاً الآية: "يوم نطوي السماءَ كطي السجل للكتب"، فلهذه الآية قراءات أخرى من بينها "يوم تُطوى السماءُ..."، كما ورد في "ابن كثير" و"الطبري" و"البغوي".
وما يعنيني من المثال المضروب هنا هو أن "النقطة" احتملت التحريك والتعدد لتقرأ نوناً مرةً وياءً مرة أخرى، وهنالك الكثير من الأمثلة المشابهة في قراءات القرآن.

هنا والآن أنقل رأي الصادق النيهوم: بأن أصل الآية هو : فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاعزِبُوهُنَّ، وذلك بتحريك النقطة من فوق الضاء لتصبح عيناً، ووضعها فوق الراء لتصبح زاياً. ولتوضيح ذلك ينبغي أن نتذكر التالي:
1.      التنقيط لم يدخل على العربية إلا بعد كتابة القرآن بفترة طويلة. فمن الجائز إذا أن تسقط النقطة سهواً في غير موضعها أو أن تقع بين بين.
2.      الكتابات العربية القديمة لم تكن بوضوح لوحة المفاتيح التي نكتب عليها اليوم. فمن الجائز أن يُكتب الحروف "ضـ" في الآية برسم يشابه كثيراً الحرف عــ، وهذا ما حدث بالفعل، بالتالي فإن النقطة هنا هي التي تحدد المعنى.

باختصار: من الممكن أن تكون الكلمة هي: اعزبوهن وليس اضربوهن.
والعزبة في العربية العمانية معروفة، فهي تعني الابتعاد الجسدي عن الأهل والمال، بقصد الهجران أو غيره، كقولهم عزبَ فلان. وقواميس اللغة العربية تتفق تماماً مع هذا المعني كما في لسان العرب والقاموس المحيط (http://baheth.info/all.jsp?term).

ولو تركنا الجانب اللغوي وانتقانا إلى الجانبي التربوي والنفسي سنجد بأن تسلسل الأسلوب هنا أكثر منطقيةً: بمعنى: لو اتبعنا التسلسل التربوي في التعامل مع الزوجات النواشز أو اللاتي (مجرد) نخاف نشوزهن والذي يطرحه المفسرون وهو: (عضه – هجران في المضاجع – ضرب) لوجدنا الضرب هنا، لو صح معناه الذي يطرحه المفسرون، لا يتوافق مع البناء المنطقي لأسلوب التأديب المطروح في الآية.
ذلك على الأقل مقارنة بالتسلسل المنطقي الذي تطرحه قراءة "اعزبوهن" وهو: عضه – هجران –عزبة. فالتسلسل هنا أكثر ترابطاً وأعمق أثراً. فعملية التقويم والإصلاح تبدأ بالعضة قولاً، فإن لم يُستجاب لها، سيتبعها منطقياً العضة بالفعل الصامت وهو هنا الهجر في المضاجع (كأن يدير لها ظهره أول الليل وآخره)، ويليها إنشاء "عزبته" الخاصة كأن ينام في المجلس أو في شقة صديق أو في فندق أو مسجد أو أن يرتمي على أبواب الحانات في آخر الليل.

لست معنياً بصحة المنهجين المطروحين فيما تقدم، بقدر ما يعنيني اختيار منهج "العزبة" من بينهما كونه أكثر ترابطاً وانسجاماً من النواحي النفسية والتربوية والإنسانية واللغوية.
الأهم من كل ذلك هو أن هذه القراءة ربما تحرر الكثيرات من القهر والاستعباد والقمع باسم الدين، وستعيد لهن مكانتهن بين الكائنات،  كما أنها ستنقلنا خطوةً نحو أرضنة العلاقات الزوجية تحت مظلة قانون منطقي لا يبغي الذكور فيه عليهن سبيلاً.. 


 لم يكن يُغضبها..
لكنه كان يقول
كلماتٍ تُوقع المنطق في الفخ..
إذا سرتَ إلى آخرها
ضقتَ ذرعاً بالأساطير التي تعبدها
وتمزقتَ حياءً
من نواطير الحقول...!

هناك 14 تعليقًا:

غير معرف يقول...

تسأل :
ماهو المخرج إذن من هذا الورطة أمام النص ؟

المخرج ببساطة أن لا نعمل بنص يوقنا في ورطة .

التاريخ يقول...

لقد ارتقيت مرتقاً صعباً يا أخا العرب!!
يعني "ما كأنها قوية شوية؟؟"

عموماً الاختلاف معك أبسط مما يتخيل من هو داخل الإطار الجمعي وأصعب مما يتخيل من هو خارجه..

شكراً

Muawiya Alrawahi يقول...

ما فهمت سالفة الإطار الجَمعي ..

التاريخ يقول...

ولا أنا فاهم يا معاوية!!!

هرطقات يقول...

التاريخ!

1. نحن هنا أمام معضلة حقيقية؛ فهنا نص واضح وصريح يقول بأن الرجل عليه أن يضرب المرأة إن خاف نشوزهها.
لذلك كان لا بد من تأويل وتخريج للآية ليستقيم معناها(مع في هذه الكلمة من تعنت واضح).
أ- الضرب هو الضرب المعروف بأن تضرب بيد أو بعصى ، لكن المسألة متعلقة بروح العصر الذي نزلت فيه الآية ، أي أن الآية والتشريع هذا قد يكون متقدما عما كان قبله من عادات جاهلية، فالمرأة هنا منتصرة إلى حد ما وذلك لأنها لم تقتل لأنها نشزت كما كان سيفعل الرجل ما قبل الإسلامي بصفته مالكا للمرأة.

ب- الضرب هو الضرب المعروف لكن المقصود هنا كما قاله بعض المفسرين والفقهاء بأنه ضرب غير مبرح ، وكأنهم يقولون الضرب المعنوي لا الجسدي وإن مد الرجل يده على زوجته.

ج- التخريج الثالث الذي جاء به النيهوم مفاده أنه من غير المعقول أن يكون الإسلام الذي هو تشريع سماوي جاء ليأمرنا بشيء غير حضاري فأمر الرجال أن تضرب النساء إن خيف النشوز، وبالتالي ذهب إلى أن الكلمة خطأ وأن فيها تصحيف وأن التصحيف وقع من أن القرآن كتب بداية بدون تشكيل أو تنقيط ، والمعنى عزب أفضل في رأيه من ضرب.
لكننا لو دققنا النظر ، فالعزب ليس مناسبا هنا ، فالتراتبية غير موجودة ، التراتبية من الصغير للأكبر ،من الوعظ ثم الهجر ثم الضرب ، فإذا وضعت العزب في النهاية لم يكن هناك تراتبية في حجم العقاب بل وكأنك أعدت العقاب الثاني وهو الهجر، فما الفرق إذن بين الهجر والعزب؟


كل تخريج من هذه التخاريج له نتائج وعواقب وخيمة:
أ- لو كان الضرب هو الضرب؛ والإسلام جاء بتشريع يوافق روح العصر ويطور من التشريع الذي كان قائما ، فمعنى هذا أننا يجب أن نؤمن أن التشريع يجب أن يتطور بتطور روح العصر . وفي العصر الحديث الذي يأنف ضرب المرأة، ويطالب الجميع ، مرأة ورجلا ، بأحقية المرأة في المساواة ، يكون من الأنسب اتباع شكل جديد من التشريع ، والانتهاء عن الضرب.

ب- لو كان الضرب هو الضرب غير المبرح، فإننا سنواجه بعاصفة المؤيدين لمساواة المرأة ، فلماذا يضرب الرجل المرأة ولا تضرب المرأة الرجل إن خافت نشوز زوجها؟ وماذا تفعل إن خافت نشوز أم أن نشوزه لا يوجب العقاب؟

ج- لو كان الضرب بمعنى العزب كما يقول الصادق النيهوم، فهنا سنأخذ بقول القائلين بأن حفظ الله للقرآن لم يكن بحروفه ومنطوقه بل بمعناه، وأن العديد من التصحيف والنقص والزيادة حصل أثناء كتابة القرآن. وطبعا هذا ليس زعما بعيدا عن الناس فاختلاف القرآت ووجود اختلاف في المصاحف كله مما يناقشه الباحثون.

التاريخ يقول...

مرحباً حسين
لا أتفق معك في أن الضرب هو الضرب المعروف كما ذكرت. لم أجد نصاً واحدا (آية أو حديث أو بيت شعر أو خلافها) يؤيد هذا الكلام، بل وجدت العكس كما ذكرت بعض الأمثلة في المدونة.
أعرف بأن المفسرين قالوا بالضرب غير المبرح كتخريج (ومنهم من قال بالضرب بالمسواك). هذا في نظري مراوغة عن الحفر في النص، ومحاولة يائسة لتجميل القبح، وإلا فما معنى الضرب بالسواك بقصد التأديب (لا المداعبة). ولكن لو رجعت إلى كلمة ضرب ومشتقاتها فلن تجد من بينها كما هو متعارف عليه اليوم. ولقد "ضربت" لك في لك أمثلة عديدة، وأضيف هنا مثالاً آخراً وهو الإضراب عن العمل الذي يشبه كثيراً منهجية "العزبة" التي تحدثت عنها..
الفرق واضح بين العزبة والهجر في المضاجع. فالهجر هو أن تنام في نفس الغرفة ونفس الفراش ولكن لا تعاشرها معاشرة الأزواج (كأنها هي المحتاجة)، أما العزبة، فكما ذكرت هي الهجران الجسدي وما يتبعه من هجران حسي وعاطفي واقتصادي واجتماعي. فهو بالتالي أعلى وأشد وقعاً من الهجر في المضاجع. وهنا هي التراتبية الحقيقية إذا أردتُ أنن أسوِّق للفكرة. ثم أين هي التراتبية بين الهجران في المضاجع والضرب؟!! ألا توجد حلول أخرى بينهما كالاستعانة بأحد أفراد العائلة أو خبراء الاجتماع والعلاقات الأسرية مثلاً. اسمحلي لا تراتبية ولا منطق ولا إنسانية هنا.
وكما ذكرت، لست معني بموضوع تقويم وتقييم الزوجة بقدر ما يعنيني طرح أسلوب مغاير لعلاقة تورط فيها الملايين.
أخيراً، طبعاً حفظ القرآن لم يكن بحروفه، لولا جمود عقول الفقهاء. ولقد ضربت لك مثلاً في المدونة وهنالك غيره الكثير في القراءات المتباينة والعديدة لالقرآن: منها "السراط والصراطـ" و"ناداها مَن تحتَها وناداها مِن تحتِها"، والكشكشة وغيرهما العشرات من الأمثلة
شكراً على المرور

غير معرف يقول...

هرطقات :
كنت سأضع لك تساؤلي هُنا
http://olanotion.blogspot.com/2009/10/blog-post_14.html#comments

لانني وجدت لك فكرا غريبا ، وأردتُ أ أسالك:هل أنت مؤمن بالقرآن"؟! هل انت مسلم؟
لأن كلامك يثير الشكوك حول عقيدتك ، فتمنى أن تبعد الشكوك عن نفسك بإجابة وافية .

ثم جئت هنا أسألك عن كلمة:"النيهوم"
مااذا تقصد بها؟

adel يقول...

تفسير جميل للآية تعلوه عقلنة.
من الملاحظ بأن المفسرين عبر التاريخ لم يفسروا النص القرآني من خلال النص القرآني إنما من خلال منظورهم هم، وإحساسهم تجاه ذلك النص، وكانت العوامل السياسية والبيئية تؤثر في المفسر ليخرج التفسير وفق بيئة المفسر وزمانه.
فلنأخذ مثلا تفسير "في ظلال القرآن" لسيد قطب تجد النص؛ أدبي السبك، حاد المنطق، تغلب عليه الخطابة والتنظير كون فترة سيد قطب فترة تبلور الحركات الثورية في العالم العربي كحركة الإخوان المسلمين والقومية العربية ، وقد انضم سيد قطب إلى حركة الإخوان بحماس شديد، وأصبح المُنظر للحركة ، فتناول النص القرآني تناولا فكريا وسياسيا واجتماعيا وأدبيا ليدعم أهداف ثورة الأخوان لأنها حركة سياسية تحتاج الى الدعم الفكري والسياسي والاجتماعي والأدبي، فكان السيد قطب فقيه الإخوان، والمتحدث بلسانهم من خلال مؤلفاته ، والسيد قطب أديب من الدرجة الأولى حيث لديه بعض الكتب الأدبية نذكر مثلا كتابه الرائع "النقد الأدبي أصوله ومنهجه" وهذا الكتاب ألفه قبل تدينه، وقد أهتم كذلك بإبراز التصوير الفني في القرآن، لذلك طغى الأسلوب الأدبي على ظلال سيد قطب.
فلنتناول مفسر معاصر، وهو الشيخ محمد متولي الشعراوي فكان الشعراوي لا يؤمن بان النص القرآني يمكن تفسيره، حيث أطلق على تفسيره للقرآن بأنه خواطر إيمانية وليس تفسيراً .
وهناك من المفسرين من يُخضع النص القرآني للعقل، والمنطق فمثال ذلك المفكر كمال البنا، وابن قرناس ومحمد محمود طه، وهذا الأخير أعدمه الترابي بتهمة الزندقة فكان خسارة كبيرة لحركة الفكر العربي.
وفي تخميني بأن "التاريخ" ممكن أن ينتمي إلى مدرسة البنا وابن قرناس وليس من مدرسة قطب او الطبري .!
مما تقدم نستنج بأن روح المفسر تغلب على روح النص ، فان كان المفسر عقلاني ترى عقلنة النص، وإن كان منطق المفسر علمي فترى النص مُعلمن، وإن كان المفسر أديبا ترى أدبيت النص هي البارزة.

هي يقول...

كثيرون هم من يريدون افتعال نقاش يتعلق بالمرأة.............ألذلك مغزى آخر؟!

الطير المهاجر يقول...

جميل هو هذا التفاعل.. رغم تحفظي أصلا على الفكرة..

شكرا لهذا الزخم يا تاريخ

THE-MIGRANT-BIRD.NET

التاريخ يقول...

لـــ"هي" أقول لماذا تعتقدين أنه "افتعال نقاش"؟. وإن يكن، فنعم هناك الكثيرون ممن لديهم مغزى آخر..!
الطير المهاجر: شكراً ولكن ما هي الفكرة التي تتحفظ عليها: الضرب أم العزبة؟؟

التاريخ يقول...

مرحباً عادل
شكراً على هذا الثراء والإثراء..
النص أما أن يكون كائناً حياً أو أن يكون ميتاً..
المؤسف أن أكثرهم تعامل معه باعتباره ميتاً وهذه هي النتيجة..
وكما قال المثل العماني الجميل: الحي يحييك والميت يزيدك غم

محب للإنسانية يقول...

اعجبتني حيادتك في كتابة هذه المدونة, ولكن تبدوا هنا مدافعا عن الإسلام وكان المرأة معززة ومكرمة فيه. ما رأيك في رجم المرأة؟ وفي الاية التي تجمع بين الغائط والمرأة في جملة واحدة وتشريع واحد؟

التاريخ يقول...

أهلاً بك يا محب الإنسانية
كما استطاع من استطاع أن يجد تخريجاً مغايراً وأقرب للإنسانية لما يُعتقد بأنه ضرب، فسيستطيع تخريج موضوع الرجم وربط المرأة بالغائط (ولا تنسى كذلك ملك اليمين والوطء وزاوج الصغيرات ورضاع الكبير وقسمة الميراث، والقوامة).

النص كما، أود أن أفكر فيه، هو كائن حي ومتحرك، وحدهم الأموات يتمنون تجمديه مصادرته وقتله.

مودتي وشكراً على العبور