فيما كان وما سيكون

الخميس، أكتوبر 01، 2009

فـــك رقبـــة!





لم يزل الكثير من مشايخ المسلمين في العالم يفتون بــ "عتق الرقاب" في مسائل شتى ككفارة الجماع أو الاستمناء في نهار رمضان، والقتل العمد؛ دون أن يسألوا أنفسهم ما هي الرقبة التي ستُعتق؟ وأين هي؟ وبكم (إن وجدت)؟ ولماذا هي رقبةٌ أصلاً؟ وما معنى الرقبة لغةً واصطلاحاً في مرحلة صدور الفتوى؟


ولم يزل العلماء حين تجادلهم في مسألة الرق عموماً يقولون بأن إلغاء الرق كان من بين رسائل الإسلام الأولى ومن بين وسائل التعبد والتقرب لله، وبأن الإسلام تدرج في ذلك كتدرجه في إلغاء الكثير من العادات "الجاهلية"، ويستشهدون بمثل هذه الأحكام (أعني أحكام عتق الرقبة) كوسيلة لهذا التدرج في تحرير الشعوب من الرقيق وتجارته، دون أن يسألوا أنفسهم: ألا يكفي أكثر من ألف وأربعمائة سنة من التدرج في مسألة كهذه المسألة؟


فإذا كانت ظاهرة الرق ظاهرة اقتصادية أو اجتماعية في زمن بعينه، فقد حسمها تبدل أحوال المجتمع الإسلامي والمجتمعات من حوله. أما إذا كانت مسألة نفسية ساهمات في عذابات الملايين وتجويعهم جسداً وروحاً وفي حرمانهم من أبسط شروط الإنسانية، فهي إذن مسألة عاجلة لا تحتمل ألف وأربعمائة سنة من التسويف والانتظار. أما إذا كانت المسألة تعبدية: طوق النجاة الذي يحلو لبعض المشايخ التعلق به، فليقولوا ذلك كي ننتظر حكمهم وتوقيتهم في إلغاء التعبد بعتق الرقاب، وليخبروننا قبل ذلك عن وسائل الاسترقاب (وهو مصطلح أنحته ارتجالاً، كي لا أقول الاستعباد) كي نتمكن من التعبد بعتقها كفارةً عن أخطاءنا وخطايانا متى ما ارتكبناها أو ارتكبتنا.


مسألة الرق وملك اليمين في الأديان السماوية عموماً والإسلام خصوصاً مسألة جدل طويل. والإسلام تحديداً له قوانينه الخاصة في هذه المسألة كما في قضايا الأحوال والمعاملات كالميراث والزواج والدية والفدية، وهي قوانين تناقض الواقع المعاش وفق معطيات المرحلة، ومعطيات العقل والمنطق والأعراف والقوانين الدولية والإقليمية والمحلية.


ألا تكرس مثل هذه الفتاوى مسألة الرق، نفسياً واجتماعياً، في الثقافات الإسلامية بدلاً من أن تلغيه؟ ألا تساهم مثل هذه الفتاوى في الإبقاء بالقوة على طبقية اجتماعية مرفوضة دينياً وعقلياً وحضارياً وقانونياً؟
ألا تُكبل مثل هذه الرؤى مسيرة المجتمعات ومسيرة الحضارة ولو بمجرد تذكيرها لنا بالطبقية والاستعباد وملك اليمين والشمال، وبإنزالها للناس منازل لا تمت للواقع بصلة؟ الواقع الذي يحاول أن يفرض معايير أسمى للعقل والروح من معايير العرق واللون والقبيلة والنسب.





والأخطر من ذلك، ألا تعبر مثل هذه الفتاوى عن أمنيات دفينة للرجوع إلى زمن الرقاب وملك اليمين، وزمن الحكم لفئة بعينها تسترق وتسبي كما تشاء باسم الرقاب وعتقها؟ 



أسئلة غابت عن أعين السلطة الدينية ورموزها.. فياليت شعري كيف تغيب عن أعين السلطة السياسية وأسماعها؟


يا برق...
حرك شجوني إن تكن سكنت 
فكــل حظـي تحــريـكٌ وإسكـــان

هناك 7 تعليقات:

غير معرف يقول...

لا أعرف ما الذي يجعل القواميس الدينية والاجتماعية ملئية بكلمات مثل: العبد والعابد والمعبود والعبودية والمعبد (مكان ممارسة العبودية).
بينما تخلو من كلمات أخرى مثل الحر والمحرِّر (بكسر الراء المشددة) والمحرِّر والمِحرَر (مكان ممارسة الحرية)؟

ألأن اللغة عبدة أيضا لهم؟

غير معرف يقول...

رائعة يالتاريخ و ليس عندي ادنى شك ان الدين لم يطرح حلولا لحرية الانسان بل ساهم في تعقيدها و وضع اسئلة كبرى تشكك تماما في اطروحاته الغارقة في ازاحة العقل و الروح و استغرب ان من يعانون من هذه الاهانة الدينية المرعبة لا يكتبون سطرا احتجاجيا واحدا
احييك بكل ود

التاريخ يقول...

أهلاً وليد:
بصرف النظر عن مفهومنا للغة: أمُنتِج أم منتَج ثقافي هي، يمكن اعتبار هذه القواميس التي أشرت إليها مسابرَ كشفٍ ومجاهرَ فضحٍ للتركيبة الاجتماعية والثقافية التي تتبناها. بدورنا، أنت وأنا نستخدم اللغة مجدداً، وهنا والآن، معاول هدم وإعادة بناء لثقافة متهالكة..
سبق لي أن أشرت إلى أن فكرة "الله" في الدين الإسلامي مبنية ذهنياً وعقائدياً على استعارة "المَلِك" الواحد الأوحد، وما استتبع ذلك من أسماء وصفات تسير في ذات الاتجاه. فمن الطبيعي إذن (بناءً على مفهوم الملك) أن تتشكل هذه القواميس التي تشير أنت إليها والتي تأصل علاقة: الملك-العبد..
قارن ذلك بفكرة الرب في المسيحية على سبيل المثال: هناك تبرز استعارة مفهومية مختلفة وهي استعارة الأب، والابن...
طبعاً المسألة الشائكة هنا هي ليست مسألة الله ولكن مسألة نقل الاستعارات من الله إلى بني البشر وتأصيل مفهوم "الملك:العبد" في مفاهيم اجتماعية وسياسية موازية مثل مفهوم النبي والخليفة والملك شيخ التميمة وشيخ القبيلة والرشيد والأب والأخ الأكبر ورب العمل أو"الأرباب"..سلسلةٌ بعضها من بعض
شكراً على المرور يا وليد

التاريخ يقول...

مرحباً بك سيدي غير المعرف
لماذا لا نجعل من مهام الأديان طرح الأسئلة بدل من تقديم الحلول الجاهزة والمعلبة. أعتقد بأنها ستكون فكرة رائعة جداً لو تمت وستنقل الأديان نوعياً من عقول الدهماء إلى عقول المفكرين..
أما عن الذين يعانون من الطبقية فأنت تتحدث عن خلل اجتماعي عميق وواسع ومتأصل منذ عشرات الآلاف من السنين:

لعل يوماً عصوفاً جارفاً عرماً
آتٍ فترضيك عقباه وترضيني

Muawiya Alrawahi يقول...

ممممم يتجاهل الدينيون الآن هذا الجانب، بوعيٍ .. سياسي واضح ..


الدين أيضا يطوّر أدواتِه .. أليس كذلك؟؟

التاريخ يقول...

أهلاً بك معاوية
الظاهرة/المشكلة الأولى: بمجرد أن تتحدث عن الدينيين، (فئةً ميزت نفسها ولو بالشكل عن بقية المجتمع)، يأخذ السامع حديثك كأنه حديث عن الدين والتدين والإيمان والمعتقد.
الظاهرة/المشكلة الثانية:على ما تقدم، يصادر السامع فوراً كل آرائك وأفكارك كونك تتحدث من خارج دائرة الدين أو هكذا يتوهم هو. بالتالي أنت ضد الدين وتسعى في الأرض فساداً. ويبدأ هو بالتقوقع إيديولوجياً ليتحول الحوار من حوار أفكار إلى "جهاد في سبيل الله". وهناك كما تعلم تجارب في عمان تثبت هذه النظرة حتى بين المتدينين أنفسهم، وحتى بين المنتمين للمذهب الواحد.

الظاهرة/المشكلة الثالثة والأهم: الدين لا يطوّر أدواته على أيديهم، ولكن هم الذين يطورون أدواتهم على أيديه.

والتاريخ شاهد على ما جر ذلك من ويلات.

sebawih يقول...

أرجو أن ترجع إلى الفرق بين تحرير الرقبة وهذه في العبودية المعهودة قدبما والتي عالجها الإسلام، بل جعلها تكفيرا لكثير من الآثام والذنوب أم فك الرقبة في سورة البلد فهي في الإعسار والدين والمشقة وغيرها الأحوال التي تقيد التصرف السوي للإنسان