فيما كان وما سيكون

الأربعاء، مارس 09، 2011

الطالبانيون العمانيون

ثورة الإصلاح الأخيرة التي أشعلها الشارع وتوّجها السلطان قابوس بحكمة لا تُضاهى طالت بعدين مهمين جدًا من أبعاد عمان: الاقتصاد والسياسة. بقي بعدٌ ثالث لا يقل عنهما أهمية ألا وهو البعد الثقافي: اللغة والدين والعادات والتقاليد والقيم وغيرها من النواحي الثقافية المادية وغير المادية. هذا مشروع إصلاحي أشد ولكن أبقى، وسأركز هنا على المنظومة الدينية عمومًا والمنظومة الرسمية خصوصًا.

هذه المنظومة لا تحاول فقط أن تقصي الديانات والمعتقدات الأخرى، ولا تحاول فقط أن تقصي المذاهب الإسلامية الأخرى، بل حاولت ونجحت إلى حدٍ كبير في إقصاء العقول المفكرة الحرة من أبناء  جلدتها وأتباع مذهبها، لقد أقصتهم عن دوائر اتخاذ القرار وعن مراكز الوعظ والإرشاد وحجبت كتاباتهم وحاربت أفكارهم واتهمتهم بتهم خطيرة كالإلحاد وتعطيل السنة والأمركة والعمالة الصهيونية وغيرها من التهم الخطيرة التي كادت أن تؤدي إلى مقتلهم غيلة على أيدي متعصبين من أتباع المنظومة المهيمنة.

هذه المنظومة صادرت المذهب الإباضي بتاريخه التسامحي وتعدداته الفكرية، لتختصره في شكليات عقيمة كاللحية والإسبال والخمار ومصافحة المرأة وتحريم الموسيقى والنخامة وحلق العانة. هذه المنظومة "وهبنت"، إذا صح التعبير، المذهب الإباضي وجعلته تابعًا يمشي مغمض العينين إلى بؤر التخلف والقمع والكبت والرجعية.

هذه المنظومة، لو قُدر لها، ستحوّل عمان إلى طالبان أخرى: ستغلق البنوك والفنادق والمنتجعات السياحية وشركات التأمين والأسواق المالية والقنوات الفضائية، وستنادي بـ "محرم" مع كل ممرضة ومع كل طالبة ومعلمة وستحوّل النساء إلى أكياس قمامة متحركة لا تعرف قبلها من دبرها وستحول الرجال إلى لحي متهدلة وعقول منكفئة يأكلها الشك في كل شيء.

هذه المنظومة تريدها علمانية من حيث لا تدري ولكن بطريقتها هي: تريد أن تفصل الدين عن الدنيا؛ تريد أن تكون لها بنوكها الخاصة ومحطاتها الإعلامية الخاصة، وتريد أزياء مخصصة لها وحدها، وجامعات وأسواق وحتى مساجد لها بعيدًا عن مساجد "الضرار" التي تبنيها الدولة. وتريد أن تخرج "الكفار" والملحدين والمجوس والبوذيين من عمان ومن جزيرة العرب، وستُقصي، لو استطاعت، كل من يفكر في خلاف ما تفكر هي فيه.  
من المؤسف أن هذه الفئات استقوت أكثر بعد أن ركبت موجة الإصلاح الأخيرة، فأصبح لها إصلاحها الذي لا يتجاوز ما ذكرته أعلاه، وأصبح لها دستورها وقياداتها التنظيمية. ومن أراد أن يشاهد تطاولهم فليذهب إلى ميدان الاعتصام أمام "الشورى" ويسمع خطبهم العصماء.

إذا كانت هذه الفئة مخلصة لوطنها محبة لسلطانها فعلى قياداتها العليا أن تخرج اليوم، وليس غدا، إلى وسائل الإعلام لا لتبث أجنداتها الإصلاحية الواهمة والأحادية التوّجه، ولكن لتقدم الشكر والولاء للسلطان على ما أنجز أولًا، ولتأمر المتحدثين باسمها والراكبين على موجاتها بالرجوع إلى بيوتهم وأعمالهم قبل أن تدخل البلاد في سلسلة صراعات لن تخرج منها قبل أجيال: صراعات مذهبية ومناطقية وقبلية ودينية-إلحادية.

أنا أشك بأنها ستخرج، فإذا كان ما نسمعه هو ما يقولونه في العلن، فالله وحده يعلم ما يقولون ويفعلون في السر.

هناك 6 تعليقات:

غير معرف يقول...

يبدو لي ايها التاريخ ان الحراك الديني في عمان اصيب بالجمود و ابتلي بالمصادرة و تغييب اي مسعى جدي لإبراز الوجه المشرق للتفاعل الديني و المذهبي و التسامح الحضاري الذي استوعبته اللحمة العمانية بسب اتساع الرؤية في اطروحات المنظومة الدينية سابقا حينما كانت محتفظة بشعلة التعدد و الانفتاح و قبول الخلاف اما ما يحدث الان فهو امر منطقي و نتاج هزيل وبائس بعد ان تم " توهيب " المذهب للأسف و محاولة البعض من رموزه الزج به في " عربانة " متخلفة من القيم و السلوكيات البعيدة عن جوهر الاسلام الحقيقي الذي يمجد الحرية و قيمة الانسان وأفكاره و ضعفه . واتفق معك تماما اننا في هذا الظرف العصيب ينبغي التيقظ من محاولات الطالبانيين العمانيين من الجهتين فهنالك الطالبانيين الذي اعمتهم عمائهم ولحاهم عن النظر الى غيرهم و هنالك الطالبانيين الذي اعمتهم عتمة الحانات و يريدون مصادرة الوطن بأسره ليكون علكة رخيصة في قناة " الحرة " و " العربية "
دمت للمستقبل المشرق ايها التاريخ

حارس السراب

التاريخ يقول...

سيدي حارس السراب
رائعة جدًا استعارة "العربانة" هذه... قد توحي بمشروع بنيوي أو بنائي وقد توحي بانتقائية كانتقائية من "يتبضع" من أرفف الحضارة ليختار السلع التي تناسبه... وقد توحي، وهذا هو الأهم والأجمل في استعارتك، بمخلفات أعمال تخريبية تُحمل في العربانة إلى مكانها المخصص.
كما أغرتني الفكرة التي وسًعت بها مفهوم الطالبنيين لتطال من " اعمتهم عتمة الحانات" فهم طالبانيون من نوع آخر يحتاجون إلى مناقشة مستفيضة..لعلي أحدث ذلك قريبًا
سلمت أناملك ودمت حارسًا يقضًا لسرابك الجميل..

غير معرف يقول...

سيدي التاريخ....
سيدي حارس السراب...
وحتى لا نضيع بين هؤلاء وهؤلاء!
من إسلاميون متشددون أو ليبراليون منفتحون، حتى لا نتأرجح ما بين يمين ويسار،
نحن حقا بحاجة لوقفة جادة للتعامل مع ضخامة وسرعة المتغيرات الحاصلة في هذا البلد الغالي! ولا أدري صدقا كيف يمكننا تدارك خطورة الموقف بالصورة الأمثل دون أن يختزل ويصادر حق أحد من الأطراف المختلفة؟؟!!
لعله من الأفضل لنا حاليا أن نعود لنظامنا الأساسي " الكتاب الأبيض"، مع محاولة تعديل بعض البنود فيه المتعلقة بإعطاء صورة أوضح لمستقبل عمان بعد قابوس...
أقول لعله؟!
لك ودي واحترامي أيها التاريخ،،،

غير معرف يقول...

سيدي التاريخ....
سيدي حارس السراب...
وحتى لا نضيع بين هؤلاء وهؤلاء!
من إسلاميون متشددون أو ليبراليون منفتحون، حتى لا نتأرجح ما بين يمين ويسار،
نحن حقا بحاجة لوقفة جادة للتعامل مع ضخامة وسرعة المتغيرات الحاصلة في هذا البلد الغالي! ولا أدري صدقا كيف يمكننا تدارك خطورة الموقف بالصورة الأمثل دون أن يختزل ويصادر حق أحد من الأطراف المختلفة؟؟!!
لعله من الأفضل لنا حاليا أن نعود لنظامنا الأساسي " الكتاب الأبيض"، مع محاولة تعديل بعض البنود فيه المتعلقة بإعطاء صورة أوضح لمستقبل عمان بعد قابوس...
أقول لعله؟!
لك ودي واحترامي أيها التاريخ،،،

الكون المجازي يقول...

مرحبا
نعم، ولكن الا تتفق معي بان اللبراليين هم من يثيرون النقع والغبار بين المعتصمين ويضخمون المطالب ويرهقون الحكومة بمطالبهم كموضوع الدستور وغيرها من المطالب، انا في اعتقادي بان بروز المتدينين جاء ردت فعل طبيعية بعد بروز اللبراليين وانا اعتقد بان البلاد سوف تكون بين سندان المتدينين ومطرقة اللبراليين وسوف ندخل في نزاع مرير، اذا لم تنتبه الحكومة في الوقت المناسب، لان كلى الطرفين لديه اجندته الخاصة البعيدة عن مصلحة البلد

Abdullah Al-Ghafri, PhD يقول...

بعد أذنك نقلت وصلة لهذه الصفحة الى الفيسبوك في هذه المجموعة:
http://www.facebook.com/home.php?sk=group_166884186694603&notif_t=group_activity

الصايغ