فيما كان وما سيكون

الثلاثاء، نوفمبر 17، 2009

بين الإعجاز والعجز


كثيراً ما تفنن مشايخ الإسلام وعلمائه  في قضية "الإعجاز في القرآن". لم يتركوا نظرية أو قانون أو اكتشاف أو حتى ظاهرة طبيعية إلا وأوجدوا لها عرقاً إعجازياً في القرآن: من الإعجاز البلاغي إلى قوانين نيوتن والنسبية وعلم الأجنة والفلك والفيزياء والكيمياء والسياسة والفلسفة والقانون والتربية.

وكثيراً ما كانوا يلون أعناق العلم وأعناق الدين وأعناق اللغة والتاريخ كي يصلوا لما يسعون إليه.

صار الأمر ظاهرة: لها شيوخ طريقة ودراويش ومريدون ومنتفعون ومؤلفات وقنوات ومواقع إلكترونية، ومنظمات وأسواق تدور فيها ملايين الدولارات.

السؤال ليس عن مدى احتمال القرآن لكل ذلك، فقد شبع الموضوع نقاشاً من الفريقين: المع والضد. ولكن عن مسائل أخرى:

1.    لماذا يفعلون ذلك؟ هل هو شعور بالنقص في أنفسهم وفي دينهم وتدينهم لأن التاريخ يتجاوزهم كما تجاوزهم العلم وتجاوزتهم الحضارة؟ هل هو استغلال للمعرفة (حتى وإن كانت معرفة ملوية الأعناق مكسورة الخاطر) في سبيل السلطة والمال والشهرة ومآرب أخرى؟
2.    هل يفعلون ذلك تكبيراً من شأن الدين أم من شأن العلم؟ هل الأديان تحتاج لمباركة العلم، حتى ولو كانت مباركة قسرية، كسباً لمكانتها وديمومتها في العقول والقلوب والجيوب؟ هل العلم محتاج لمباركة الأديان كي يأخذ دوره في الحياة إصلاحاً أو إفساداً، بناءً أو تدميراً؟
3.    ماذا سيقولون لذوي الألباب حين تسقط نظرية من النظريات التي بنوا عليها أمجادهم؟  ألم يحدث ذلك مراراً وتكراراً؟ ولكن لا بد هنا من تسجيل قدراتهم الخارقة على خلق الأجوبة المعلبة والحلول الجاهزة.
4.    لماذا يقضون أعمارهم يتحدثون عن الحيض والنفاس، والمسيار والوناسة، والوطء والخلع، وحادثة السقيفة ومعركة الجمل، وحين يأتي مفكرٌ "كافر"، رهن عمره للعلم، بنظرية أو اختراع، يسرقونه من بين يديه في لحظة خاسرة وينسبونه إلى كتاب لم يحسنوا قراءته؟
5.    لو ثبت وجدود نظرية ما في القرآن، أليس من الأجدر والأجدى في ظل تخلفهم الوجودي أن يتواروا خجلاً وألا يذكروا ذلك، بل وأن يكّذبوا من ادعى وجودها، احتراماً لكتابٍ كان بينهم لأكثر من أربعة عشر قرناً ولم يجدوا فيه ما كان ينبغي عليهم أن يجدوا؟
6.    لماذا لا يحترمون عقول أولائك المحتاجين للدين كونه ديناً لا أقل ولا أكثر؟ لماذا لا يحترمون عقول المشككين والمرابطين على بوابة الحقيقة أكان مصدرها العلم أم الدين لا فرق لديهم؟
7.    لماذا يسرقون الدين من سياقه التاريخي والاجتماعي والتعبدي، ليسقطوا قراءات مغلوطة على سياقات مغايرة؟

أليس من المخاطرة الزج بالأديان والمعتقدات في زوايا ضيقة ومراهنات خاسرة في سبيل انتشاء لحضي قد يذهب ضحيته العلم والدين؟

مثلاً: يقولون للعالم بأن آية: "اقرأ، بسم ربك الذي خلق" إنما نزلت للحض على التعلم والتعليم بمفهومه العصري والنظامي الذي جاء به الغرب؟ وفي نفس الوقت يتفاخرون (لا أدري لماذا وأدعي بأنهم مخطئون) بأن النبي محمد (ص) كان أمياً: لا يقرأ ولا يكتب؟

فأولاً: لماذا إذاً لم يقم النبي الأمي محمد (ص) بتعلم القراءة والكتابة فور نزول الآية؟ علماً بأنها نزلت في بداية البعثة الإسلامية.
ثانياً: ماذا لو تطورت فلسفة المعرفة ليصبح نظام التعليم الحالي (القراءة والكتابة) شيئاً من التاريخ؟ وهذا وارد بالطبع في ظل التقدم المطرد في علم الإدراك والـvirtual Reality.


الخطورة لا تكمن في اهتزاز مصداقية الدين فقط. الخطورة الأكبر في أن يبدأ الدين والعلم كلٌ في توجيه الآخر واستجداءه والتفاوض معه. هذا هو واقع هذا الجزء من العالم، وهذا هو سر التخلف العلمي والديني، والانهزام الحضاري، وهذا هو العجز بعينه وليس الإعجاز كما يدعون..!

قل ما كنتُ بِدْعاً من الرسل وما أدري ما يُفعل بي ولا بكم إنْ أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين...

الاثنين، نوفمبر 09، 2009

الجـــدار


"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً"

أقرأ هذه الآية وأتذكر قصتين.


الأولى في مستشفى البريمي. كنت زائراً حين نادتني أحداهن، لألتفت وأجد كتلة من السواد. (أنا فلانة ما عرفتني)!!.. وكيف لي أن أعرفك يا سيدتي خلف كل هذه الجدران السوداء، وبين كل هذه الأجساد التي تمشي وتجلس وتأن وتضحك وتبكي تحت طبقات من السواد.
القصة الثانية: حدثني من أثق به عن مجموعة من النساء في إحدى مناطق عمان أنزلتهن سيارة الإجرة على بعد شارعين من مسكنهن ليتهن لساعات قبل أن يهتدين إلى المسكن.
لقد سُرقت منهن بوصلة الحياة وخارطة الطريق منذ سنوات طويلة.

الآية تقول ذلك أدني أن يُعرفن..! والواقع يقول بأنهن لا يُعرفن ولا يَعرفن!

أمهات التفاسير اختلفت (كالعادة) في قوله "يدنين عليهن من جلابيبهن". اختلفوا في الجلباب وفي صورة إرخائه. طائفة ذهبت بأنه يعني تغطية كامل الوجه، وذهبت أخرى إلى أنه يعني تغطية عين واحدة (تخيّل) واختلفوا أهي العين اليسرى أم اليمنى....!!

لعل المعني في أسباب النزول كما تعلمنا في المدرسة. وهناك كانت المفاجأة الأخرى.

في يثرب، بعد الهجرة، النساء يخرجن مساءً لقضاء الحاجة. وبعض أهل المدينة يتحرش بهن، فاشتكين ذلك لأزواجهن، ليشتكوا إلى النبي، ليسأل المتحرشين عن الحكاية ليكون جوابهم: "إنما نفعل ذلك بالإماء"، ليرفع الأمر إلى الله، لتتنزل هذه الآية.
جميع المفسرين إذاً اتفقوا على أن آية الحجاب هذه نزلت للتفريق بين الأمة والحرة.

فسبب نزول الآية، أكرر، هو تمييز الحرائر عن الإماء في الزي، وذلك كي لا يتعرض لهن فسّاق المدينة. وقد روي عن عمر بن الخطاب بأنه كان يدور في المدينة بدرته ويضرب الأمة المتجلببة قائلاً: أتتشبهين بالحرائر يا أمة؟

عليه:
1. هل "أدني أن يُعرفن" توحي بتغطية الوجه. نعم إذا وفقط إذا كان الأمر هنا يأخذ طابع التصنيف والتمييز الجمعي: مجموعة الإماء لا تغطي وجوهها ومجموعة الحرائر تغطي وجوهها.
2. ما هو مفهوم الأمة؟ وما عورة الأمة؟ (ذهب بعضهم إلى أن عورة الأمة كعورة الرجل).
3. هل تلبس الأمة ما تشاء، ويتحرش بها من يشاء؟
4. هل للتحرش علاقة بالأزياء وبالأصول والطبقات الاجتماعية؟.
5. ماذا عن المقاصد؟ وماذا عن زوال الوضع الذي نزلت فيه الآية؟ هل سيتغير مفهوم الجلباب والأزياء بشكل عام.
6. إذا كانت المشكلة تكمن في الرجل. أعني هو الذي يتأذى من شعر المرأة وعنقها وبقية جسدها، فما ذنبها هي؟ لماذا يُبنى حولها هي هذا الجدار الفاصل بينها وبين الشمس والهواء والحرية؟ لماذا يستقطع ذلك من جسدها وعقلها وليس من جسده وعقله هو؟
أخيراً: ماذا عن اللون الأسود؟؟


على هذه الأرض ما يستحق الحياة:

تردد إبريل

رائحة الخبزِ في الفجر

آراء امرأة في الرجال

كتابات أسخيليوس

أول الحب

عشب على حجرٍ

أمهاتٌ يقفن على خيط ناي

وخوف الغزاة من الذكرياتْ. 



على هذه الأرض ما يستحق الحياةْ:

نهايةُ أيلولَ

سيّدةٌ تترُكُ الأربعين بكامل مشمشها

ساعة الشمس في السجن

غيمٌ يُقلّدُ سِرباً من الكائنات

هتافاتُ شعب لمن يصعدون إلى حتفهم  باسمين

وخوفُ الطغاة من الأغنياتْ. 


الاثنين، نوفمبر 02، 2009

ناقصات العقل والدين: مرةً أخرى


القول بأن النساء ناقصات عقل ودين قولٌ ينقصه العقل والدين.
علة نقصان الدين لديهم هي عدم ممارسة النساء لبعض الشعائر التعبدية كالصلاة وقراءة القرآن لبعض الأوقات كأوقات الحيض والنفاس.

كي أوضح ما أريد قوله أضرب القياسين التاليين: لو أمر رجلٌ زوجته ألا تتواصل معه في أوقات بعينها كأن يأمرها ألا تتواصل معه حين يكون في المكتب أو حين تكون هي في المطبخ مثلاً، وكان يعلم في أعماقه يقيناً بأنها تود التواصل معه في ذلك الوقت ولكنها لم تفعل طاعةً لأمره، فهل له أن يأتي على حسابها في آخر الليل وآخر العمر بحجة أنها لم تتواصل معه حينها؟ أم عليه أن يشكرها على الالتزام بما أمر؟

قياسٌ آخر: هل قاصر صلاة السفر ناقص دين؟

المرأة مأمورة بترك التعبد أوقات الحيض والنفاس، ولم تختر ذلك، كما لم تختر أصلاً أن تكون امرأة تحيض وتنفس. وهي تتعبد بتركها للعبادة. فهل ينقص دينها بتعبدها؟

ألا تعد هذه الحجة عملية كمٍ على حساب النوع، كما أراد بعض المشايخ الذين أفتوا بجواز قراءة القرآن بطريقة القراءة السريعة (خصوصاً في رمضان)، كي يرتفع رصيد حسنات القارئ؟

لو أراد العقل أن يحاكم الدين لسأل: لماذا تُطرد المرأة من ملكوت الله التعبدي في الحيض والنفاس؟ ألا تكون المرأة أضعف ما تكون جسداً ونفساً وبالتالي تحتاج إلى التمسك بالله والتقرب منه ولو بقراءة سورة من القرآن؟
لو عدنا لمثال المرأة في المطبخ: ماذا لو اجترحت سيئةً أو حنيناً إلى زوجها؟ ماذا لو جرحتها مديةٌ واحتاجت أن تتصل به استشفاءً للروح والجسد والنفس، وهي محجوبة عنه؟ إذا اتصلت حاسبها!! وإذا لم تتصل هل سيحاسب نفسه؟

أما عن نقصان العقل، ففيه أقوال: هل ينسحب ذلك على كل النساء أم على المسلمات فقط؟

يلوح لي أن نقصان العقل ينطبق على المسلمات فقط، كما يلوح لي بأن ذلك صحيح: هن فعلاً ناقصات عقل لأن عقولهن صدّقن بأنهن ناقصات دين..!! واستسلمن لسنوات طويلة من "البهذلة" و"الشحططة" و"المرمطة" باسم نقصان العقل والدين...


الله يكمّل!



كالغربان المولية الأدبار..
سأصرخ يا حبيبتي...
إذا لم تعطني سراجك في الليل
وذراعك في الشيخوخة
وسريرك في الزمهرير
ولقمتك في المجاعات
سأحشو مسدسي بالدمع
وأملأ وطني بالصراخ
إذا لم تعطني جناحاً وعاصفةً
لأمضي
و عكازاً من السنونو
لأعود..
حتى الأغصان العالية ترتجف
عندما أنظر إليها وأنا أبكي