فيما كان وما سيكون

الاثنين، أكتوبر 26، 2009

في ناقصات العقل والدين والحجم


·       هل تعاني الأنثى من مشكلة في الواقع العماني؟
·       نعم يا سيدي، مشاكل وليس مشكلة واحدة، وفي كل واقع وليس الواقع العماني وحده.
·       أين هي المشكلة؟ هل في الصحة أم في التعليم أم في الاقتصاد أم في التربية أم في العدل...؟؟؟
·       طبعاً لا: هذه نتائج المشكلة وليست أسبابها.
·       أين تكمن المشكلة إذاً؟
·       المشكلة تكمن في عقل الذكر وتنبع من هناك، ومن هناك تسربت إلى كل شيء وأتت على كل شيء (حتى على عقل المرأة)...


المشكلة تكمن في ذكورية الثقافة وذكورية اللغة وذكورية الدين وذكورية السلطة وذكورية الذكر التي تحاصر الأنثى وترسم لها ملامح أنوثتها، ترسمها بها وعنها.


المشكلة تكمن في إن المرأة، ككائن مستقلٍ وفاعلٍ وممتلئ بذاته، كانت عبر العصور ولم تزل كائناً مفعولاً به وامتداداً عضوياً للذكر ووعاءاً مفرّغاً من محتواه ليملئه الذكر ويمليه، كائناً متلقياً منفعلاً مفعولاً به: لغوياً وجسدياً وأخلاقياً وفلسفياً واجتماعياً ونفسياً.


المشكلة تكمن في وضع اليد وفي الملكية وفي التشيىء: في أول ذكرٍ وضع سياجاً مادياً على قطعة أرض وقال هذه ملكي ووضع سياجاً معنوياً على قطعة جسدٍ وقال هذه ملكي. من تلك اليوم والذكر يفكر عنها ويبنى معارفه عنها ويبني لغته وفلسفته وثقافته ودينه عنها، دون أن يدرك هو، أو تدرك هي، بأنه كان يبني كل ذلك بها وعليها.


المشكلة تكمن في السيد داروين ونشوءه وارتقاءه: في ضآلة حجم المرأة وفي وظائف الأعضاء وفي هشاشة العظام وهشاشة الروح وفي الغدد الدمعية واللمفاوية وفي الهرمونات والنتوءات التي تُذّكر الذكر بذكوريته وتذكر الأنثى بأنوثتها.


المشكلة تكمن في الضلع الأعوج والمتاع والوطء وملك اليمين وزينة الحياة الدنيا، وفي التراكمات والتداعيات الفلسفية والدينية التي وضعت المرأة كائناً مخبرياً مورست عليه كل هذه التجارب الفاشلة.


المشكلة تكمن في لأستاذ فرويد وفي نظريته في التحليل النفسي، التي وضعت الأنثى امتداداً لنفسية الذكر وصورة سالبة (Negative) لصورة الذكر، وجسداً ناقصاً مبتوراً: تحسد الذكر على أعضاءه التي لا تملك مثلها.


·       كيف يمكن الإصلاح والحال هذه؟؟
·       إن أي إصلاح لا يبدأ بالعقل الذكوري والثقافة الذكورية واللغة الذكورية والدين الذكوري هو إصلاح ناقص، وربما قد يأتي بنتائج عكسية. فمثلاً، الحركات النسوية، وما يُسمى بتكريم أو تمكين المرأة يثير بدون شكٍ حفيظة الذكورية الكامنة، ويؤدي إلى ارتدادات لا تحمد عقباها، تعزز السطوة الذكورية أكثر مما مضى.


·       هل تعاني الأنثى من مشكلة في الواقع ؟
·       لست أدري: ربما الرجل هو من يعاني، ربما هي سنة الكون.

دعيني أفكر عنكِ ..وأشتاق عنك ِ ..
وأبكي وأضحك عنكِ 
وألغي المسافات بين الخيال وبين اليقين ..

دعيني أنادي عليك بكل حروف النداء .. 

لعلي إذا ما تغرغرت باسمك من شفتي تولدين 


الأربعاء، أكتوبر 14، 2009

في الضلع الأعوج






حين نقرأ الآية: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) (النساء34). ينبغي تأمل الآتي:

1.      الفعل "ضَرَبَ" في اللغة لا يحمل معنىً في ذاته. ما لم يُوضع في سياق محدد كقولنا: "ضرب الله مثلاً" و"ضرب فلانٌ في الأرض"، و"اضرب برجلك" و " وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ"، و"مضاربة مالية"... قس على ذلك مثلاً الفعل: قَذَفَ فهو فعل لا يستبان معناه في ذاته.
2.      إذاً الفعل ضرب بصيغته المجردة كما وردت في الآية لا يحتمل معاني الإيذاء أو الإيلام الجسدي بقصد التأديب أو خلافه، أعني أن كلمة اضربوهن في الآية لا تعني مطلقاً ما يقوله المفسرون ولو حاولوا تخفيفها بقولهم ضرب غير مبرح وخلافه.
3.      كما أن العربية فيها أفعال ذات معاني محددة بدقة لما تعارفنا عليه تجاوزاً بأنه ضرب، من ذلك قولهم: لطمَ ورفسَ وركل وطعن ولَكَمَ؛ أما عند استخدام الفعل "ضرب" فإن اللغة تحدد بماذا الضرب أو في ماذا.
4.      القول بأن الآية تحض على ضرب الزوجة أو تبيحه هو "ضربٌ" من الخيال الذي تضطرب به عقول من يضربون في الأرض ابتغاء تأويله، وابتغاء المضاربة فيما بينهم أيهم أشد تقرباً للرحمن بإقصاء الجنس الآخر.

ما هو المخرج إذن من هذه الورطة أمام النص؟ المخرج أولاً وأخيراً هو تحريك النص وعدم التعامل معه بجمود ثقافة بائدة كما فعل الأولون..

قبل الدخول في فعل الضرب، سأضرب مثلاً الآية: "يوم نطوي السماءَ كطي السجل للكتب"، فلهذه الآية قراءات أخرى من بينها "يوم تُطوى السماءُ..."، كما ورد في "ابن كثير" و"الطبري" و"البغوي".
وما يعنيني من المثال المضروب هنا هو أن "النقطة" احتملت التحريك والتعدد لتقرأ نوناً مرةً وياءً مرة أخرى، وهنالك الكثير من الأمثلة المشابهة في قراءات القرآن.

هنا والآن أنقل رأي الصادق النيهوم: بأن أصل الآية هو : فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاعزِبُوهُنَّ، وذلك بتحريك النقطة من فوق الضاء لتصبح عيناً، ووضعها فوق الراء لتصبح زاياً. ولتوضيح ذلك ينبغي أن نتذكر التالي:
1.      التنقيط لم يدخل على العربية إلا بعد كتابة القرآن بفترة طويلة. فمن الجائز إذا أن تسقط النقطة سهواً في غير موضعها أو أن تقع بين بين.
2.      الكتابات العربية القديمة لم تكن بوضوح لوحة المفاتيح التي نكتب عليها اليوم. فمن الجائز أن يُكتب الحروف "ضـ" في الآية برسم يشابه كثيراً الحرف عــ، وهذا ما حدث بالفعل، بالتالي فإن النقطة هنا هي التي تحدد المعنى.

باختصار: من الممكن أن تكون الكلمة هي: اعزبوهن وليس اضربوهن.
والعزبة في العربية العمانية معروفة، فهي تعني الابتعاد الجسدي عن الأهل والمال، بقصد الهجران أو غيره، كقولهم عزبَ فلان. وقواميس اللغة العربية تتفق تماماً مع هذا المعني كما في لسان العرب والقاموس المحيط (http://baheth.info/all.jsp?term).

ولو تركنا الجانب اللغوي وانتقانا إلى الجانبي التربوي والنفسي سنجد بأن تسلسل الأسلوب هنا أكثر منطقيةً: بمعنى: لو اتبعنا التسلسل التربوي في التعامل مع الزوجات النواشز أو اللاتي (مجرد) نخاف نشوزهن والذي يطرحه المفسرون وهو: (عضه – هجران في المضاجع – ضرب) لوجدنا الضرب هنا، لو صح معناه الذي يطرحه المفسرون، لا يتوافق مع البناء المنطقي لأسلوب التأديب المطروح في الآية.
ذلك على الأقل مقارنة بالتسلسل المنطقي الذي تطرحه قراءة "اعزبوهن" وهو: عضه – هجران –عزبة. فالتسلسل هنا أكثر ترابطاً وأعمق أثراً. فعملية التقويم والإصلاح تبدأ بالعضة قولاً، فإن لم يُستجاب لها، سيتبعها منطقياً العضة بالفعل الصامت وهو هنا الهجر في المضاجع (كأن يدير لها ظهره أول الليل وآخره)، ويليها إنشاء "عزبته" الخاصة كأن ينام في المجلس أو في شقة صديق أو في فندق أو مسجد أو أن يرتمي على أبواب الحانات في آخر الليل.

لست معنياً بصحة المنهجين المطروحين فيما تقدم، بقدر ما يعنيني اختيار منهج "العزبة" من بينهما كونه أكثر ترابطاً وانسجاماً من النواحي النفسية والتربوية والإنسانية واللغوية.
الأهم من كل ذلك هو أن هذه القراءة ربما تحرر الكثيرات من القهر والاستعباد والقمع باسم الدين، وستعيد لهن مكانتهن بين الكائنات،  كما أنها ستنقلنا خطوةً نحو أرضنة العلاقات الزوجية تحت مظلة قانون منطقي لا يبغي الذكور فيه عليهن سبيلاً.. 


 لم يكن يُغضبها..
لكنه كان يقول
كلماتٍ تُوقع المنطق في الفخ..
إذا سرتَ إلى آخرها
ضقتَ ذرعاً بالأساطير التي تعبدها
وتمزقتَ حياءً
من نواطير الحقول...!

الأربعاء، أكتوبر 07، 2009

الإطار: أزياء الدين والدنيا


كم كان عبقرياً أول إنسان فكر وقرر أن يُلبس مجموعة من البشر زياً موحداً لأداء مهمة موحدة. هذه الفكرة أسميها الإطار وأناقشها هنا.
ما يفعله الزي بكل بساطة هو أنه يُدخل من يتزيا به في إطار: يتحكم ولو بشكل مؤقت في أقوال المتزيي  ويبروز أفعاله وسلوكياته داخل المحيط الذي يعيش فيه.
والزي- الإطار يذهب إلى أبعد من ذلك، خصوصاً إذا طال عليه الأمد، فهو يبدأ في توجيه منهجية التفكير لدى صاحبه، فيفرض أفكاراً ويرفض أخرى ويرسخ رؤىً ومعتقدات بعينها وينبذ أخرى.
الزي-الإطار قد ينتهي إلى فصل أفكار صاحبه عن أقواله وأفعاله، ويحدث شرخاً بين ما يؤمن به وما يفعله وما يقوله.
الزي-الإطار إذن هو حالة من التسليم أو الرضوخ والانقياد المؤقت (أو الدائم) إلى نمط واحد من الأفكار والأقوال والسلوكيات. والخطورة هنا تكمن في أن ذلك يتم على حساب أنماط أخرى من التفكير يرفضها الإطار، أو معتقدات ورؤى لا تناسبه. فكما هو معروف: كل نظرة باتجاهٍ ما، تأتي على حساب نظرةٍ باتجاهٍ آخر.
وتُعد الجيوش النظامية وبعض المؤسسات الأمنية كالشرطة  من الأمثلة على مفهوم الزي-الإطار. إن من ألبسهم زياً موحداً استطاع أن يتخيل تماماً إلى أي مدى يدخل الزي في تأطير أفكارهم ومعتقداتهم وسلوكياتهم.
كذلك من يدخل إلى مطعم أو فندق من الفئات المنجمة (ذوات النجوم) فإنه يستطيع ملاحظة مفهوم الزي-الإطار الحاكم لسلوكيات ومعتقدات أصحابه.
الزي دائماً وأبداً ما يحدد لصاحبه كيف يقف وكيف يمشي وكيف يتحدث وكيف يسكت وكيف ينظر وكيف يفكر (وكيف لا يفكر).
لقد ذهب الأمر بالبعض من الواقعين داخل إطار الزي إلى الهروب منه كلما استطاع إلى ذلك سبيلاً، كأن يقوم بارتدائه عند وصوله المكتب وخلعه قبل مغادرته. بل هناك من يلبس دشداشته (إطاراً آخراً) فوق الزي الرسمي من البيت إلى المكتب وبالعكس. فقد أدرك تماماً حجم القيود والمسؤوليات المترتبة على الزي الذي يتزيا به. قد يفعل ذلك، مثلاً ضابط المرور أو رجل الشرطة عموماً الذي لا يريد أن يضطره زيه للوقوف وتنظيم مناطق الازدحام المروري وحوادث الطرق، كما قد يفعل ذلك العامل في مطعم أو محطة وقود كي لا يُسقط عليه زيه قيمة اجتماعية هو لا يريدها.
مفهوم الزي الإطار حاضر كذلك لدى بعض القبائل والأسر الحاكمة كما يحضر ولو بصورة أقل حدية عبر الثقافات والأنواع والأجناس.
وهنالك هرمية داخل مفهوم كل زي، ولكنها تبقى إلى حد كبير هرمية مقدار وليس هرمية نوع: أعني أن الأزياء مازالت تحكم أنماط السلوك والتفكير وإن تفاوت كل زي في حجم الإطار الذي يضعه حول صاحبه.
وهنالك "قيمٌ" متباينة لكل زي داخل الهرمية الواحدة. فالقيمة التي يمنحا زي الضابط تختلف عن القيمة التي يمنحها زي الجندي أو الشرطي مثلاً، والقيمة التي يمنحها زي المدراء في الفنادق تختلف نوعاً عن القيمة التي يمنحها زي النوادل وعمّال النظافة..
كذلك فإن الوصول عبر مفهوم الزي-الإطار إلى قيمة أعلى يستلزم بعداً زمنياً، كما يستلزم سلسلة من التدريب والتطوير وربما الوساطة والمحسوبية ودعاء الوالدين. 
"رجال الدين"، في الدول الإسلامية وبقية الأديان والتجمعات كالنصرانية واليهودية والبوذية وغيرها، مثالٌ صارخٌ على مفهوم الزي-الإطار، والاختلافات بينها تكون غالباً في المقدار وليس في النوع.
بعض رجالات المذهب الإباضي مثلاً يحكمهم إطار من الزي يتلخص في اللحية المسترسلة والدشداشة البيضاء التي لا تتجاوز منتصف الساق والعمامة البيضاء المستديرة المتدلية من الطرف الأيمن ذات "الطرة" الملتفة حول العنق، وربما زاد على ذلك بعض الخنخنة في الحديث:
هم الإباضية الزهر الكرام لهم
بعزة الله فوق الخــلق سلطـــان
الزي الديني يختلف عن الزي الدنيوي في مواضع كثيرة من أهمها:
1.    الزي الديني اختياري إلى حد كبير مقارنة بزي المهام والوظائف الدنيوية، إلا إذا اعتقد رجال الدين أن من لا يتزيا بزيهم فليس منهم.
2.    كلاهما يخرج صاحبه من الإطار الجمعي السائد، ولكن صاحب الزي الدنيوي يخرج من مجتمعه كي يعود إليه ولو بعد حين، وصاحب الزي الديني  يخرج من المجتمع كي يذهب المجتمع وراءه.
3.    الزي الدنيوي محكوم بزمان ومكان ووظيفة ومرحلة عمرية أكثر تحديداً من الزي الديني العابر للأزمنة والأمكنة والوظائف والأعمار.
4.    كلاهما يمارس شيئاً من الإقصاء على الآخر الذي لا يتزيا به، كالتفرقة الحاصلة بين العسكريين والمدنيين في المؤسسة الواحدة وكاعتقاد العسكريين بأنهم أكثر كفاءة وفاعلية في إدارة الأشياء من المدنيين، ولكن إقصاء الزي الديني للآخر يكون في الغالب أكثر حديةً وشمولية وغير قابل لأي نقاش عقلاني منطقي.
5.    الزي الديني غير واضح المعالم من حيث الهرمية الداخلية التي تحكمه مقارنةً بالأزياء الأخرى باستثناء الشيعة ربما وبعض المذاهب والأديان الأخرى التي حاولت إدخال اللون أو الــ(color-code) على أزيائها. فلو حاول جنديٌ كسر هذه الهرمية بارتداءه رتبة أعلى، فستكون مسائلة أشد من مسائلة مراهق أو عشريني تزيى بأزياء الشيوخ..
6.    من الممكن أن يكون الزي الديني طريقاً مختصراً (Shortcut)، غير مبررة وغير متعوب عليها. فالكل يستطيع ارتداءه إذا أراد وبالتالي يستطيع من داخله ممارسة الأدوار النفسية والاجتماعية التي يكفلها له.
7.    كلاهما يلفت الأنظار ولكن الزي الدنيوي يضع مرتديه داخل إطار المحاسبة أو المسائلة بكل مفاهيمها، بينما كثيراً ما يضع الزي الديني صاحبه خارج هذا الإطار.
8.    الزي الدنيوي قد يُعِز صاحبه وقد يُذله، ولكن الزي الديني يفسح لصاحبه صدور المجالس وصدور الرجال وعقولهم حتى وإن لم يكن صاحبه أهلاً لهذا الفتح.
لم أجد جدوى من الكلمات...
إلا رغبة الكلمات في تعذيب صاحبها

الخميس، أكتوبر 01، 2009

فـــك رقبـــة!





لم يزل الكثير من مشايخ المسلمين في العالم يفتون بــ "عتق الرقاب" في مسائل شتى ككفارة الجماع أو الاستمناء في نهار رمضان، والقتل العمد؛ دون أن يسألوا أنفسهم ما هي الرقبة التي ستُعتق؟ وأين هي؟ وبكم (إن وجدت)؟ ولماذا هي رقبةٌ أصلاً؟ وما معنى الرقبة لغةً واصطلاحاً في مرحلة صدور الفتوى؟


ولم يزل العلماء حين تجادلهم في مسألة الرق عموماً يقولون بأن إلغاء الرق كان من بين رسائل الإسلام الأولى ومن بين وسائل التعبد والتقرب لله، وبأن الإسلام تدرج في ذلك كتدرجه في إلغاء الكثير من العادات "الجاهلية"، ويستشهدون بمثل هذه الأحكام (أعني أحكام عتق الرقبة) كوسيلة لهذا التدرج في تحرير الشعوب من الرقيق وتجارته، دون أن يسألوا أنفسهم: ألا يكفي أكثر من ألف وأربعمائة سنة من التدرج في مسألة كهذه المسألة؟


فإذا كانت ظاهرة الرق ظاهرة اقتصادية أو اجتماعية في زمن بعينه، فقد حسمها تبدل أحوال المجتمع الإسلامي والمجتمعات من حوله. أما إذا كانت مسألة نفسية ساهمات في عذابات الملايين وتجويعهم جسداً وروحاً وفي حرمانهم من أبسط شروط الإنسانية، فهي إذن مسألة عاجلة لا تحتمل ألف وأربعمائة سنة من التسويف والانتظار. أما إذا كانت المسألة تعبدية: طوق النجاة الذي يحلو لبعض المشايخ التعلق به، فليقولوا ذلك كي ننتظر حكمهم وتوقيتهم في إلغاء التعبد بعتق الرقاب، وليخبروننا قبل ذلك عن وسائل الاسترقاب (وهو مصطلح أنحته ارتجالاً، كي لا أقول الاستعباد) كي نتمكن من التعبد بعتقها كفارةً عن أخطاءنا وخطايانا متى ما ارتكبناها أو ارتكبتنا.


مسألة الرق وملك اليمين في الأديان السماوية عموماً والإسلام خصوصاً مسألة جدل طويل. والإسلام تحديداً له قوانينه الخاصة في هذه المسألة كما في قضايا الأحوال والمعاملات كالميراث والزواج والدية والفدية، وهي قوانين تناقض الواقع المعاش وفق معطيات المرحلة، ومعطيات العقل والمنطق والأعراف والقوانين الدولية والإقليمية والمحلية.


ألا تكرس مثل هذه الفتاوى مسألة الرق، نفسياً واجتماعياً، في الثقافات الإسلامية بدلاً من أن تلغيه؟ ألا تساهم مثل هذه الفتاوى في الإبقاء بالقوة على طبقية اجتماعية مرفوضة دينياً وعقلياً وحضارياً وقانونياً؟
ألا تُكبل مثل هذه الرؤى مسيرة المجتمعات ومسيرة الحضارة ولو بمجرد تذكيرها لنا بالطبقية والاستعباد وملك اليمين والشمال، وبإنزالها للناس منازل لا تمت للواقع بصلة؟ الواقع الذي يحاول أن يفرض معايير أسمى للعقل والروح من معايير العرق واللون والقبيلة والنسب.





والأخطر من ذلك، ألا تعبر مثل هذه الفتاوى عن أمنيات دفينة للرجوع إلى زمن الرقاب وملك اليمين، وزمن الحكم لفئة بعينها تسترق وتسبي كما تشاء باسم الرقاب وعتقها؟ 



أسئلة غابت عن أعين السلطة الدينية ورموزها.. فياليت شعري كيف تغيب عن أعين السلطة السياسية وأسماعها؟


يا برق...
حرك شجوني إن تكن سكنت 
فكــل حظـي تحــريـكٌ وإسكـــان