المتتبع للأعلام العماني المرئي والمسموع يلاحظ فوراً انسحاب اللهجات العمانية من المشهد والمسمع، وتواريها على استحياء خلف لهجات هجينة لا شرقية ولا غربية شوهت الأصل والفرع...
والأهم هنا هو أن ذلك لم يعد قاصراً على المذيعين والممثلين في الإعلام وحدهم، بل انسحبت الظاهرة إلى المتلقين البسطاء: فكثيراً ما نسمع لهجة عمانية بأصالتها وبساطتها وجمالها تتوارى خجلاً أو تتلوى وتحتضر بين شفاه أحد المتصلين بالإذاعة الذي يتلوى هو الآخر خلف المذيع أو المذيعة التي تتلوى هي الأخرى خلف قنوات ولهجات واطروحات وقضايا لا تمت بصلةٍ للواقع العماني، ولا للماضي العماني، ولا للحلم العماني (إن بقي حلمٌ عماني أصلاً)..سلسلة طويلة من التشويه امتدت إلى المساكن والشوارع والمؤسسات العمانية لنسمع الكثيرين يلون ألسنتهم ولهجاتهم في حواراتهم الرسمية وغير الرسمية
والأهم هنا هو أن ذلك لم يعد قاصراً على المذيعين والممثلين في الإعلام وحدهم، بل انسحبت الظاهرة إلى المتلقين البسطاء: فكثيراً ما نسمع لهجة عمانية بأصالتها وبساطتها وجمالها تتوارى خجلاً أو تتلوى وتحتضر بين شفاه أحد المتصلين بالإذاعة الذي يتلوى هو الآخر خلف المذيع أو المذيعة التي تتلوى هي الأخرى خلف قنوات ولهجات واطروحات وقضايا لا تمت بصلةٍ للواقع العماني، ولا للماضي العماني، ولا للحلم العماني (إن بقي حلمٌ عماني أصلاً)..سلسلة طويلة من التشويه امتدت إلى المساكن والشوارع والمؤسسات العمانية لنسمع الكثيرين يلون ألسنتهم ولهجاتهم في حواراتهم الرسمية وغير الرسمية
وإذا كانا لا نجادل في اعتزاز المسئولين في الإعلام بعمانيتهم، فلماذا إذا هذا التشوه والتشويه؟
يمكن النظر إلى الموضوع من أكثر من زاوية، من بينها:
1. التشويه من الداخل: حركة التشويه الطويلة والدءوبة التي مارسها الممثلون العمانيون والممثلات العمانيات على اللهجات العمانية منذ فجر الإعلام في عمان إلى يومنا هذا. مسلسلات ميّعت اللهجات العمانية والإنسان والمكان وشوهت الشخصية العمانية عموماً، وجعلت العامة قبل النخبة ينفرون منها..فحتى على المستوى الفني فإن أقبح ما في الممثل هو إحساس المتلقي بأنه "يُمثل".
2. عقدة النقص: منذ منتصف القرن الماضي وشريحة كبيرة من العمانيين يعانون من شيء من النقص والدونية أمام الخليج والخليجيين: أمة بكل هذا الإرث الحضاري والعمق التاريخ انتهى بها المطاف في أعمال يُعتقد بأنها متدنية ووضيعة في الدول المجاورة. ومع تدفق المزيد من النفط في المنطقة بأسرها (إلا في عمان)، ازدادت المشكلة عمقاً واتساعاً..قد يكون العماني استقر به المطاف في عمان، ولكن جاء الغزو الإعلامي الخارجي إلى عقر داره ليضاعف من انهزامه النفسي والاقتصادي.. لقد تغيرت مقاييس الحضارة والتقدم الماضية لتحل محلها مقاييس أخرى منها كرة القدم وما أدراك ما كرة القدم والدراما والمسرح والغناء والشعر الشعبي وناطحات السحاب وعدد القنوات الفضائية ودخل الفرد من النفط، والهواتف المحمولة وغيرها الكثير من المقاييس ليجد العماني نفسه مهزوماً أمامها كلها، وليجد نفسه في دولة محسوبة جغرافياً واقتصادياً على دول نفطية متخمة، رغم أنها لا تُصنف أصلاً من بين الدول النفطية. هذه الانهزام أمام كل شيء كان عاملاً مهماً لحركة التقليد الأعمى ولي الألسن واللهجات.
3. في نفس المحور الاقتصادي (وربما بسببه) نجد بأن الحكومة العمانية تتحرك على استحياء في تنفيذ مشاريعها كماً ونوعاً مقارنة مع دول الجوار، وربما المثال الأنسب هنا هو طائرة الـAirbus، اليتيمة التي تم شرائها مؤخراً، بين دول تحسب أساطيلها الجوية كما تحسب نوقها. ومن ذلك أيضاً المشاريع المتواضعة الأخرى كمشروع الموج والمطار والمواني وتطوير المدن الرئيسة في عمان. وهنا يبرز الدور السلبي للإعلام مجدداً في تفاعله مع هذه المشاريع المتواضعة بكل ما تعنيه كلمة استغباء للعمانيين والاستخفاف بعقولهم.. فلو كنا نحن من اخترع الـAirbus هذه لما أقمنا الدنيا ولم نقعدها كم فعل الإعلام حين اشتريناها بعد لأي.
4. الحكومة بكل منظوماتها المؤسساتية لم تفعل الكثير لصيانة واستمرارية الثقافة العمانية ببعديها المادي وغير المادي: اللهجات والأزياء والفنون والمعمار والأكلات والآثار والأفلاج والعادات والتقاليد وحتى المعتقدات وعشرات الأبعاد الثقافية الأخرى تسربت من بين أيدينا، لنجدها إما في متاحف الآخرين أو في فنونهم وإعلامهم ولنستوردها إعلامياً مشوهةً يتيمة، ومخجلة، وسطحية، ولكم في أغاني عبدالله بالخير مثال على ما أعني.
5. التعليم العالي والإعلام: لست أدري لماذا، أصبح الإعلام العربي سقفاً وأنموذجاً للإعلام العماني وللعمانيين عموماً.. هذا الإعلام العربي الهزيل أصلاً والذي ما هو إلا تشويه لشخصيات ولهجات مواطنيه، أصبح هو غاية ما نطمح إليه، وأصبحنا نبعث بالطلبة العمانيين للدراسة في معاهد الإعلام في مصر والكويت مثلاً، وهي معاهد هزيلة أصلاً وضيقة الأفق ولا تمت بصلة لمصر أو الكويت.. قارن بين ضيق الأفق هذا واتساعه حين كنا نبعث طلبة وطالبات فرقة الأوركسترا السيمفونية إلى النمسا وعاصمتها الجميلة لنأخذ الأشياء من منابعها.
6. أخيراً، لا أعرف لماذا يود الكثيرون دائماً إضافة نظرية "المؤامرة" في الموضوع، كقولهم بوجود أناس هنا، في الداخل، يعملون على تشويه اللهجات وتسطيح العقول ومحو الشخصيات، وعدم السماح للعماني بالتقدم خطوة واحدة للإمام، بل الرجوع به إلى الوراء لعشرات السنوات...!